القدس المحتلة - "حين تُجرِّم دولة الاحتلال المعرفة، وتصادر الكتب، وتعتقل بائعيها، فإنها لا تواجه فقط الفكر الفلسطيني، بل تكشف عن أعمق مخاوفها: صمود الوعي الفلسطيني في وجه مشاريع التزييف والطمس الاستعماري"، بهذه الكلمات استهل ديمتري دلياني، عضو المجلس الثوري والمتحدث باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، تعقيبه على الحملة المسعورة التي تشنّها سلطات الاحتلال ضد الوجود الثقافي الفلسطيني في القدس العربية المحتلة، مؤكداً أن "هذه الممارسات ليست مجرد اعتداءات على المكتبات وبائعي الكتب، بل هي حرب تستهدف الذاكرة والفكر، وتسعى لإخماد صوت الحقيقة في مواجهة السردية الصهيونية الزائفة."
إن دولة الاحتلال، التي لم تكتفِ بجرائم القتل والتهجير ومصادرة الأرض، ما زالت ترى في الفكر الفلسطيني تهديداً وجودياً يستوجب القمع والملاحقة. ففي القدس المحتلة، تصاعدت حملة الاعتقالات والمصادرات بحق أصحاب المكتبات، في مشهد يعيد إلى الأذهان أسوأ الأنظمة الاستبدادية التي لجأت إلى إحراق المكتبات وتجريم المعرفة خوفاً من انكشاف حقيقتها أمام الأجيال القادمة. "تجريم المعرفة ونهب الكتب هو سمة الأنظمة الفاشية التي تخشى الكلمة بقدر خشيتها من السلاح"، يضيف دلياني، مشيراً إلى أن "كل نظام قمعي عبر التاريخ سعى إلى إسكات العقول قبل أن يسكت الأصوات او السلاح، لأنه يدرك أن الحقيقة لا يمكن أن تُدفن مهما طال الزمن."
تحت ذريعة محاربة "التحريض"، لجأت دولة الاحتلال إلى إعادة إحياء القوانين الاستعمارية البريطانية، تلك التشريعات القمعية التي وُضعت أصلاً لخنق نضال الشعب الفلسطيني، واستخدمتها اليوم كأداة لمصادرة الكتب، حظر المؤسسات الثقافية، وملاحقة الأكاديميين والمثقفين الفلسطينيين. "ما تفعله دولة الاحتلال هو تأكيد آخر على هشاشتها السياسية وعدم شرعيتها التاريخية، فهي تدرك أن مشروعها الاستعماري لا يمكن أن يصمد في وجه الحقيقة، ولهذا تلجأ إلى القمع والاستبداد"، يوضح دلياني، مضيفاً: "إنهم يخشون روايتنا الوطنية لأنها رواية قائمة على الحقائق، بينما سرديتهم تقوم على الأكاذيب."
هذه الحملة القمعية تأتي في سياق استهداف الاحتلال لكل أشكال الوجود الفلسطيني في القدس المحتلة. فمنذ عقود، أغلقت سلطات الاحتلال أكثر من 40 مؤسسة فلسطينية، شملت دور نشر، مراكز ثقافية، ووسائل إعلامية، في محاولة يائسة لفرض واقع استيطاني بالقوة. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل امتد إلى فرض رقابة صارمة على المناهج الدراسية، حظر الفعاليات الثقافية، ومراقبة الأكاديميين والمفكرين، ضمن مخطط استعماري ممنهج لإقصاء الفكر الفلسطيني من الحيز العام. "ما يجري هو اغتيال للفكر الفلسطيني، تماماً كما يحاولون اغتيال الأرض والهوية. لكن لا يمكن قتل الحقيقة، ولا يمكن إسكات الوعي الوطني لشعب يؤمن بحقه في الحرية"، يؤكد القيادي الفتحاوي.
إن المعركة التي تشنّها دولة الاحتلال ليست فقط معركة على الأرض، بل هي أيضاً معركة على الوعي، معركة بين مشروع استعماري قائم على القمع، وشعب متجذر في تاريخه وهويته. ومهما اشتدت حملات المصادرة والملاحقة، فإنها لن تستطيع طمس الحقيقة التي ترسخت في وجدان الأجيال الفلسطينية، والتي ستظل شوكة في حلق الاحتلال. وكما ختم دلياني: "الشعوب التي تدافع عن فكرها وثقافتها وتاريخها، هي شعوب لا تُهزم. ولن يكون مصير الاحتلال أفضل من مصير كل أنظمة الاحتلال والقمع التي حاولت عبر التاريخ أن تحجب الشمس بغربال الأكاذيب."