في خطاب العرش السامي، الذي ألقاه جلالة الملك عبد الله الثاني في افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة العشرين، أشار جلالته إلى أن مؤسسات التعليم تلعب دوراً محورياً في حماية الهوية وتعزيز الانتماء الوطني، حيث يُعتبر التعليم الحصن الفكري الأول الذي يصون القيم الثقافية ويواجه محاولات طمس الهوية.
وفي ظل التغيرات السريعة، التي يشهدها العالم اليوم، أصبح من الضروري أن نفكر في كيفية تأثير هذه التحولات على هويتنا الوطنية، ففي عالم تتداخل فيه الثقافات وتتبادل المعلومات بسرعة نطرح السؤالين التاليين: هل يستطيع الجيل الجديد أن يحافظ على ارتباطه بجذوره الثقافية والتراثية بينما يتفاعل مع العالم ويواكب التطورات العالمية؟ وما دور التعليم في الحفاظ على الهوية الوطنية؟
حماية الهوية الوطنية: هنا يأتي دور التعليم باعتباره الأداة الأساسية لتشكيل شخصية الفرد وتعميق ارتباطه بتاريخ وطنه وثقافته، فمن خلال المدرسة يتعرف الطلاب على جذورهم وما يميزهم عن غيرهم، بجانب تعلمهم الرياضيات واللغات وغيرها من المواد الدراسية، لذلك يجب أن تعكس المناهج التعليمية تاريخ البلد وثقافته ولغته، هذه هي الطريقة المثلى لتعزيز شعور الفخر بالهوية الوطنية في نفوس الطلاب، ومع ذلك لا ينبغي أن يكون التعليم معزولاً عن العالم، حيث يمكن للطلاب تعلم ثقافات مختلفة دون أن يفقدوا هويتهم الخاصة.. قرأت عبارة مؤخراً لمالالا يوسفزي «التعليم هو الذي يصنع الهوية ويؤسس الانتماء».
التحديات التي يواجهها التعليم اليوم: من المعروف أن العديد من الأنظمة التعليمية تركز فقط على التعليم الأكاديمي التقليدي، وتغفل أحياناً عن أهمية تعليم القيم الثقافية والوطنية، وفي زمن تتزايد فيه التأثيرات الثقافية من الخارج قد يصبح من الصعب على الطلاب تذكّر تراثهم وتقاليدهم، إلا أنه هناك حلول مبتكرة يمكن إضافتها، مثل الأنشطة الثقافية ضمن المناهج الدراسية كالفنون أو الرحلات إلى الأماكن التاريخية، كما يمكن استخدام التكنولوجيا لدعم التعرف على ثقافة البلد وتاريخه بدلاً من أن تقتصر على عرض ثقافات أخرى.
التوازن بين القديم والجديد: على الرغم من أن التطور العالمي قد يبدو تهديداً للهوية الوطنية، إلا أنه في الواقع يشكل فرصة لإعادة تعريف هذه الهوية، حيث يمكن للتعليم أن يساعد الطلاب على فهم أهمية التفاعل مع العالم وفي نفس الوقت الحفاظ على ثقافتهم وتقاليدهم. التعليم الذي يعزز الهوية الوطنية يجب أن يتضمن ليس فقط المعلومات الأكاديمية بل أيضاً الأنشطة التي تعزز الانتماء، وينبغي أن يكون التعليم في الغرف الصفية مصحوباً بتجارب عملية مثل المشاركة في الأنشطة أو المشاريع التي تعزز من المسؤولية الوطنية.
يقول نيلسون مانديلا: «التعليم هو جسر الهوية الوطنية». فالتعليم يجب أن يسهم في بناء جيل يعرف من هو ويحترم تراثه، وفي الوقت نفسه يكون قادراً على التفاعل مع العالم، فهو ليس مجرد نقل للمعلومات بل أداة أساسية لبناء مجتمع قوي وموحد قادر على التعبير عن نفسه بفخر أمام تحديات المستقبل.