الكوفية:في أقل من شهرين وقبل تنصيبه الرسمي رئيساً للولايات المتحدة، أثبت الرئيس ترامب أن إدارة سلفة بقيادة الرئيس بايدن، كاذبة وكانت شريكة في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني.
كاذبة لأنها كانت تستطيع وقف إطلاق النار في غزة متى أرادت لكنها لم تفعل، وشريكة لأنها زودت دولة الاحتلال بكل الوسائل المالية والعسكرية والسياسية لاستمرار حرب الإبادة.
الرئيس ترامب، القادم من خارج المؤسسات السياسية الأميركية الرسمية، تمكن من إخضاع دولة الاحتلال وإجبارها على قبول وقف إطلاق النار دون الكثير من العناء.
وفق صحيفة الغارديان، أرسل ترامب مبعوثه للسلام في الشرق الأوسط «ستيف ويتكوف» لإسرائيل التي وصلها يوم السبت قبل أسبوع من الاتفاق مطالباً لحظة وصوله بمقابلة نتنياهو.
قيل له في إسرائيل هذا يوم لا يعمل فيه نتنياهو وإن عليه الانتظار لليوم التالي. لكنه أبلغهم أن عليه أن يلتقيه فالمسألة من الرئيس ترامب ولا يُمكنها الانتظار.
استقبل نتنياهو ويتكوف الذي أبلغه رسالة مُختصرة مفادها «الرئيس ترامب أظهر سابقاً أنه صديق كبير لإسرائيل، واليوم هو دوركم لتثبتوا أنكم أصدقاء له بالموافقة على وقف إطلاق النار في غزة».
لم يحتج الرئيس ترامب لأكثر من ذلك لإجبار إسرائيل على إنهاء حرب إبادتها في غزة.
لم يحتج إلى كل أكاذيب الرئيس بايدن ووزير خارجيته بلينكن اللذين حملا المقاومة الفلسطينية مسؤولية فشل المفاوضات حتى عندما كانت المقاومة تقبل مشاريعهم لوقف الحرب التي ترفضها إسرائيل.
لفهم أسباب ممارسة الرئيس ترامب الضغوط على إسرائيل لوقف الحرب، علينا أن نفهم كيف يفكر الرجل.
ترامب يعتقد أن الولايات المتحدة في مرحلة تراجع اجتماعي واقتصادي ويستدل على ذلك باتساع حجم الجريمة المنظمة في البلاد والأعداد الكبيرة للعاطلين عن العمل وارتفاع أسعار المواد الأساسية فيها.
وهو يعتقد أن إعادة «العظمة» للولايات المتحدة تتطلب سياسات تضع مصالح أميركا أولاً فوق أي اعتبارات أخرى، وهو ينطلق من جملة مبادئ بسيطة كان قد شرحها في مقابلة مطولة له مع محطة الـ NBC أجراها في كانون الأول الماضي وملخصها الآتي:
اتساع الجريمة المنظمة سببه الأعداد الكبيرة من المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة والذين يصل عددهم إلى 11 مليوناً، غالبيتهم من المكسيك، وهم أيضاً من يتسبب في ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل لذلك فإن التخلص منهم واستكمال بناء الجدار بين الولايات المتحدة والمكسيك سيؤدي إلى خفض الجريمة المنظمة والبطالة معاً.
الازدهار الاقتصادي الأميركي مرتبط بتعديل ميزان التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والدول الأخرى، وكلما مال هذا الميزان لصالح أميركا ازدهرت لأن الأموال تدخل لها ولا تخرج منها، لذلك يجب تعديل هذا الميزان لصالحها مع جميع دول العالم من خلال فرض التعرفات الجمركية على الخصوم مثل الصين أو الحلفاء مثل الدول الأوروبية وكندا والمكسيك.
سياسات حماية البيئة عقبة في طريق المنافسة الأميركية الاقتصادية لأنها تحرمها من مصادر طبيعية كبيرة موجودة فيها مثل استخراج النفط على نطاق واسع من الاسكا وخليج المكسيك والمحيطين الأطلسي والهادي.
استخراج البترول على نطاق واسع سيحول أميركا إلى الدولة الأكبر في العالم في إنتاجه وتصديره وفي التحكم في أسعاره، وفي توفيره بسعر رخيص للصناعات والمواطن الأميركي.
كل دولار تصرفه الولايات المتحدة على الآخرين من خزينتها، يجب أن يكون هدفه الاستثمار والحصول على عائد مالي أكبر منه للخزينة الأميركية، لهذا لا حاجه لإهدار المال على أوكرانيا أو حلف شمال الأطلسي لأنها مسؤولية الدول الأوروبية وليس الولايات المتحدة التي لا تحتاج لأي كان لحمايتها، فهي دولة تحميها البحار والمحيطات التي تفصلها عن العالم. لذلك إذا أرادت الدول الأوروبية الحفاظ على الناتو فإن عليها أن تدفع تكاليف الحفاظ عليه.
الحروب تُخاض فقط للدفاع عن المصالح المباشرة للولايات المتحدة، وأي حرب لا تخدم هذه المصالح هي استنزاف للخزينة الأميركية لا داعي له، وبالتالي من يُرد من الولايات المتحدة «أن تحميه» عليه أن يدفع لها للقيام بذلك لأنها لن تدفع من خزينتها لخدمة الآخرين.
الصين هي المنافس العالمي الأهم للولايات المتحدة وبالتالي فإن إضعافها هو الضمانة للهيمنة الأميركية الاقتصادية على العالم في القرن الحالي لذلك وبالإضافة إلى التعرفات الجمركية التي سيضعها على البضائع الصينية التي تدخل الولايات المتحدة، ترامب يريد إعادة السيطرة على قناة بنما لمنع الشركات الصينية من إدارتها أو إدارة الموانئ القريبة منها وتخفيض الرسوم على العبارات والسفن الأميركية التي تعبرها.
وهو يريد السيطرة على جزيرة غرينلاند بسبب المخزون الكبير فيها من المعادن النادرة التي تدخل في الصناعات الإلكترونية والعسكرية والتي تهيمن الصين حالياً على ما نسبته 90٪ من انتاًجها العالمي.
من هنا يُمكن أن نفهم لماذا أراد ترامب وقف الحرب في غزة. ترامب لا يريد أن يدفع مبالغ مالية طائلة لإسرائيل كما فعل الرئيس بايدن، فهو يعتبرها أموالاً ضائعة لا مردود اقتصادياً منها للولايات المتحدة.
الرئيس بايدن قام بدفع 26.65 مليار دولار لإسرائيل منذ السابع من أكتوبر العام 2023، وهذا المبلغ يتضمن 17.9 مليار دولار مساعدات عسكرية مباشرة، و4.86 مليار دولار مساعدات غير مباشرة صرفتها الولايات المتحدة على جيشها لكن من أجل حماية إسرائيل بما فيه التصدي للصواريخ الإيرانية والحوثية، بالإضافة إلى 3.8 مليار دولار مساعدات سنوية تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل.
كذلك قام الرئيس بايدن بتخصيص مبلغ مالي إضافي لإسرائيل هذا العام قبل مغادرته البيت الأبيض بقيمة 8 مليارات دولار.
ترامب يرى في كل ذلك خسارة مالية كبيرة للولايات المتحدة في الوقت الذي يُمكنه فقط أن «يأمر» إسرائيل بإيقاف حرب لا مصلحة لأميركا فيها وتسيء لها، وهذا ما فعله فعلياً دون أن يُخرج دولاراً واحداً من خزينتة.
انطلاقاً من ذلك يبني الرئيس ترامب استراتيجيته في الشرق الأوسط على عدد من المبادئ أهمها السعي لتقليص الحضور الصيني الاقتصادي في العالم العربي وتحديداً في منطقة الخليج العربي، وتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران دون الوصول معها إلى حالة الحرب وهذا أيضاً له عائد اقتصادي على الولايات المتحدة لأن منعها من تصدير نفطها يخلق فرصاً للشركات الأميركية لتصدير نفطها هي للعالم، والسعي لتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل مقابل صفقة تنهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
المشكلة بالطبع أن الصفقة التي يعرضها لإنهاء الصراع تقتطع 30٪ من مساحة الضفة الغربية وتقدمها هديه لإسرائيل لضمها بشكل قانوني وهي تضمن لدولة الاحتلال أن تكون القدس الشرقية جزءا من عاصمتها، وهي تخلق تجمعاً فلسطينياً اسمه «دولة فلسطينية» لكنه محاط من جميع الجهات بإسرائيل ومتصل ببعضه من خلال أنفاق وجسور. هي في النهاية صفقة لا يُمكن لأي فلسطيني وطني أن يقبل بها.