واضح أن ما يجري الحديث عنه من مقترح أمريكي جديد سيقدم إلى المقاومة الفلسطينية، وفي قلبها حماس، وإلى إسرائيل على الأرجح يوم الجمعة القادم، يأتي في إطار خطة إسرائيلية -أمريكية متقنة لتوزيع الأدوار بينهما. ففي كل مرة يأتي الأمريكي بطواقمه السياسية والأمنية للمنطقة، وزير الخارجية بلينكن، ومدير وكالة المخابرات المركزية وليم بيرنز، وجون كيربي كبير مستشاري الإدارة الأميركية للاتصالات الاستراتيجية، وبريت ماكغورك كبير المستشارين الأمريكيين لمنطقة الشرق الأوسط من أجل الضغط لإتمام صفقة تبادل الأسرى، وما يسمونه تقريب وجهات النظر. ومع نهاية كل جولة نسمع نفس اللازمة وهي تحميل حماس والمقاومة مسؤولية إفشال الصفقة، رغم أن من يرفضها ويفشلها هو نتنياهو نفسه. وخير مثال على ذلك، في المرة الأخيرة وفي زيارة اليهودي بلينكن التاسعة لإسرائيل، قيل أنه قادم لكي يضغط على نتنياهو للموافقة على المبادرة الأمريكية 31 أيار، لنجد أنه وافق على شروط نتنياهو الأمنية بمواصلة السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا ومحور نتساريم، والشروط المتعلقة بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وعدوة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والتي أراد من حماس الموافقة عليها، وإلا ستتحمل مسؤولية فشل المفاوضات والصفقة. وعندما قالت حماس والمقاومة أنهم يتمسكون بالنص الأصلي للمبادرة الأمريكية 31-5-2024، وبعد مقتل ستة من الأسرى الإسرائيليين، وما شهدته إسرائيل من احتجاجات واسعة، شارك فيها اتحاد النقابات العمالية "الهستدروت"، تحمل نتنياهو مسؤولية قتلهم وعدم إتمام الصفقة، وجدنا أن أمريكا وعلى لسان رئيسها، خرجت لتقول بأنها ستقدم مقترحاً نهائياً لحماس والمقاومة من جهة، ولإسرائيل من جهة ثانية، إما أن يتم أخذه بشكل كامل، أو رفضه بشكل كامل. وبما أن امريكا ليست وسيطاً نزيهاً أو محايداً، وهي شريك في هذه الحرب، فالمطالب الإسرائيلية ستكون حاضرة في هذا المقترح على حساب الحقوق الفلسطينية، وهذا يعني أن هذا المقترح منطقة وسط بين المبادرة الأمريكية الأًصلية وبين مطالب نتنياهو الأمنية، أي ستلبي جزءاً من مطالب نتنياهو الأمنية، وتحرم الفلسطينيين جزءاً من حقوقهم، وعلى الفلسطينيين أن يوافقوا على ذلك من خلال الضغوط التي ستمارس عليهم من قبل الوسطاء العرب، وإلا فإنهم سيتحملون المسؤولية عن فشل الصفقة واستمرار الحرب العدوانية على القطاع، ومحظور تحميل نتنياهو مسؤولية فشل تلك المفاوضات وصفقة تبادل الأسرى، لأن ذلك يعني دعم وانتصار لموقف حماس والمقاومة، وتشجيع لما يسميه نتنياهو بـ" الإرهاب". أسامة حمدان القيادي في حركة حماس استبق هذا المقترح أو المبادرة الأمريكية الجديدة بالقول " إنه لا حاجة لمبادرات أو مقترحات جديدة، بل إلزام نتنياهو بقبول المبادرة الأمريكية بصورتها الأصلية التي وافقت عليها حماس والمقاومة. ويأتي هذا الطرح الأمريكي من أجل امتصاص الغضب الإسرائيلي المتنامي في الشارع الإسرائيلي على خلفية مقتل ستة من الأسرى الإسرائيليين الموجودين في أيدي المقاومة الفلسطينية، وتحميل أهالي الأسرى والعديد من القادة الإسرائيليين عسكرين وسياسيين من أمثال غانتس وإيزنكوت ولبيد والعقيد احتياط اسحق بريك وغالانت، نتنياهو مسؤولية عدم إتمام الصفقة. ولعل حكومة الولايات المتحدة ووزارة القضاء الأمريكية، قد استبقت المقترح الأمريكي الجديد بقرار من وزير العدل الأمريكي، حيث أعلنت الولايات المتحدة أمس الأربعاء (الثلاثاء بالتوقيت المحلي الأميركي) عن توجيه اتهامات جنائية إلى كبار قادة حركة حماس، بما في ذلك رئيس المكتب السياسي للحركة يحيى السنوار، متهمة إياهم بقيادة جهود رامية إلى قتل المدنيين وتدمير دولة إسرائيل.
وقال وزير العدل ميريك جارلاند في بيان له "كما هو موضح في دعوانا، قاد هؤلاء المتهمون، المسلحون بالأسلحة والدعم السياسي والتمويل من حكومة إيران ودعم من حزب الله، جهود حماس الرامية لتدمير دولة إسرائيل وقتل المدنيين دعما لهذا الهدف".
وأضافت وكالة الأنباء الفرنسية: "إن وزير العدل قال في بيانه أيضا أنهم-أي قادة حماس - مولوا وقادوا حملة على مدى عقود، لقتل مواطنين أميركيين، وتعريض أمن الولايات المتحدة للخطر".
وأكد في بيانه "أن الاتهامات التي تم الكشف عنها أمس الأربعاء، ليست سوى جزء واحد من جهودنا لاستهداف كل جانب من جوانب عمليات حماس. ولن تكون هذه الإجراءات الأخيرة".
نحن ندرك تماماً بأن الإدارة الأمريكية لا تجرؤ ولا تريد القول لنتنياهو، إما أن تقبل بالمبادرة الأمريكية، أو ستواجه منع تدفق السلاح الأمريكي، فهذه الإدارة الشريك لنتنياهو في هذه الحرب، وصاحبة فكرتها، هي من تقود الحرب عسكرياً وأمنياً على شعبنا في القطاع والضفة الغربية، ولذلك هي استبقت مقترح الرئيس الأمريكي بايدن الجديد، بقرار جديد من وزير عدلها، يتهم فيها ستة من قادة حماس بالإرهاب والسعي لتدمير دولة اسرائيل، وقتل المدنيين، وحتى تهديد الأمن القومي الأمريكي، ولذلك لكي تقنع نتنياهو بقبول المقترح الجديد، والذي يأخذ جزءاً كبيراً من اشتراطاته الأمنية بعين الاعتبار على حساب الحقوق الفلسطينية، وحتى إذا لم تتم الموافقة على مقترح بايدن الجديد من قبل حماس والمقاومة الفلسطينية، أو من قبل نتنياهو، فسيكون المسؤول عن فشله في كلا الحالتين حماس والمقاومة، فنتنياهو محظور تحميله مسؤولية الفشل، ولعل التهديد الأمريكي بالانسحاب من الوساطة المزعومة، سيخرج علينا جماعة "الخلاف الإسرائيلي- الأمريكي " بالقول إنه يجب علينا أن نبقى منفتحين على أمريكا، وأن لا نضيع الفرص، وكأن الفرص تكمن في تقديم التنازلات ورفع راية الاستسلام من الجانب الفلسطيني. هكذا تربت دول النظام الرسمي العربي تاريخياً وفي كل المفاوضات التي خاضتها مع دولة الاحتلال، بأن التنازل والتخلي عن الحقوق سيد الموقف، تحت اسم الواقعية والعقلانية، ولعل تهديد بايدن بالانسحاب، قد يدفع دول النظام الرسمي العربي المنهار للقول بأنه علينا أن نعتصم حتى يعدل بايدن عن قراره"، فنحن نأنس بوجود وساطته ونشعر بالوحشة إذا انسحب".
نتنياهو إذا ما حوصر داخلياً وخارجياً، ولأن الإدارة الأمريكية تريد الصوت العربي- الإسلامي من أجل تحسين فرص كامالا هاريس للفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الخامس من أكتوبر، ولكي يجهض ويمنع تصاعد الحركة الاحتجاجية الداخلية ضده على خلفية رفضه إتمام صفقة تبادل الأسرى، فهو قد يوافق على تنفيذ المرحلة الأولى منها، حيث يستعيد عدداً لا بأس به من أسراه، ويرمم صورته وشعبيته أمام الجمهور الإسرائيلي، ومن ثم يستأنف عملياته العسكرية على القطاع، فلا ضمانات ملزمة تمنعه من ذلك، ولا رهانات على أي وسيط، خاصة أن كل المقترحات الأمريكية والصياغات منذ الجولة الأولى، وحتى الآن تتحدث عن وقف إطلاق نار، وليس إنهاء العدوان، وعن استعادة مخطوفين، وليس تبادل أسرى.