- قوات الاحتلال تقتحم بلدة إذنا غرب الخليل
- مراسلنا: طائرات الاحتلال تجدد غاراتها العنيفة على ارض المفتي شمال مخيم النصيرات
- طائرات الاحتلال تشن غارة على مخيم البريج وسط قطاع غزة
مأزق إسرائيل الدائم يكمن في ثنائياتها المتصارعة والتي لم تحسم خيارها فظلت متأرجحة، بين الدين والدولة، بين الحرب والسلام، بين الجيش والسياسة.
وهذا الأخير يتبدى من حجم المغامرات التي أديرت بها هذه الدولة لسبعة عقود ونصف العقد كانت كلها حروب توقف العقل عن إحصائها في عقودها الأخيرة مع غزة لكثافتها.
في إسرائيل لم تكن هناك سياسة، فقد عانت السياسة فيها من الضعف ومن فائض قوة الجيش ليس فقط قوة السلاح بل قوة الحضور في الدولة وقرارها، فكل قصاصة أو مشروع يجب أن يمر على الجيش قبل أن تتم المصادقة عليه.
كيف ولماذا؟ تلك قصة طويلة يعرفها المتخصصون بدراسة إسرائيل منذ أن وضع بن غوريون قرار الدولة في عهدة الجيش كما قالت الوثائق التي أفرج عنها نهاية تسعينيات القرن الماضي بعد مرور نصف قرن على التأسيس.
أحياناً .. بل دائماً ما يتحول فائض القوة إلى نقيضه، وفي التاريخ ما يكفي من تلك الشواهد وهو ينطبق تماما على اسرائيل التي لم تبنِ بعد إرثا سياسيا لقصر تجربتها، فهي ليست دولة ممتدة في التاريخ وأيضا لما يتمتع به الجيش من هيمنة كبيرة، مع تقدم الزمن الإسرائيلي وبغياب السياسة يجعلان منها أن تقف على هذه اللحظة التي تقف عليها الآن مضروبة حد الاهتزاز وتضرب بشدة بحالة انتقام أشبه بحروب القبائل ما قبل الدول الحديثة وما قبل قوانين الحروب كأنها تعود لعهد القبيلة «قبيلة إسحق» مقابل قبيلة إسماعيل.
ما الذي تفعله إسرائيل وما الذي ستحصده من هذا الدم الذي لم يعد يحتمل وماذا بعد أن تنتهي نشوة الانتقام وبعد أن تنتهي الحرب؟ أسئلة كثيرة لا إجابات سياسية وسط غياب السياسة ويقدم الجيش جوابه الوحيد الذي يزيد وضعها صعوبة وهو القوة والقوة فقط رغم أن تلك كانت على امتداد عقود ناموس السياسة هناك، لكنها انتهت بأن يجد الإسرائيليون فلسطينياً في غرفة نومهم وفي تلك ما يمس بقواعد فكرة التأسيس حيث الدولة الأكثر أمانا كإغراء للهجرة والآن حدث انقلاب الصورة.
قال الصديق فريح أبو مدين: «كنا منهمكين في مفاوضات طابا ووصلنا إلى مسودة اتفاق وعلى الطرف الآخر شمعون بيريس وزير الخارجية. كان الجيش قد أرسل ممثله ليكون حاضرا وبينما كنا في استراحة عرفات بيريس وأنا جاء جنرال إسرائيلي من بعيد وألقى بغضب ملفا ثقيلا على صدر شمعون بيريس في حركة خرجت عن اللياقة وحين سألنا بيريس عما يحدث أجاب: «الجيش رفض ما توصلنا له، لا اتفاق».
تلك الحادثة وإن شهد عليها ياسر عرفات الذي وصل لتلك النتيجة مبكراً بالتأكيد تكررت في الكثير من القرارات التي لم تكن معلنة لكنها تشي بطبيعة إدارة الدولة ومن أبرز الفواعل فيها، بعد حزيران كان الجيش يطبق على مفاصل الدولة. هكذا قالت وثائق اجتماعات هيئة الأركان برئاسة رئيسها الجنرال إسحق رابين من خلف ظهر ليفي أشكول وكانت ترسم حدود إسرائيل لتحويلها لعقيدة قتالية لتضعها أمام ليفي أشكول للتنفيذ دون السماح له بالنقاش. وقد أصابتني الدهشة وأنا أقرأ وقائع الاجتماعات التي أفرج عنها حديثا أن حدود اسرائيل ومماطلتها التفاوضية ما زالت تقف عند تلك الحدود التي رسمت من خلف ظهر السياسة.
أوصل جيش إسرائيل الدولة إلى مستوى من الفشل الأمني والعسكري في اليوم الذي وصفه نتنياهو بـ «اليوم الأسود»، بجانب الإفلاس الأخلاقي فالصور القادمة من غزة وجثث الأطفال والنساء تنزع أي صفة أخلاقية عن الجيش الذي رسم لنفسه هالة «الجيش الأكثر أخلاقية» وصدقها، لكن في عصر الموت بالبث المباشر لن تكفي كل ماكينات الإعلام لغسلها وإذا كانت إسرائيل تضع حماس مع داعش في معيار قتل المدنيين، فأين يقع الجيش من معيار داعش؟ وهل كانت الصور القادمة من مناطق سيطرة داعش أكثر بطشاً من الصور التي تأتي من ضربات الجيش الإسرائيلي على غزة؟
إلى أين سيصل جيش الاحتلال في بحر الدم الذي يستمر بفتحه بما يكفي لشحن توربينات الحقد والانتقام لأجيال قادمة؟ وما الذي يريده بعد أن أخذ الدولة إلى تلك المربعات من الانسداد التي خلخلت أسس المشروع الصهيوني فبفضله وبفضل إدارته للدولة ورفضه لكل محاولات التسوية تسبب في جعل إسرائيل ليست آمنة لليهود وتلك تمس عصب المشروع كمشروع قام على الهجرة، وشهيته المفتوحة دوما للسيطرة على شعب آخر وأرض أخرى وصناعة حدوده الوهمية وتكلفة تلك الحدود وآخرها الجدار الفاصل مع غزة الذي بناه لسنوات وتساقط في دقائق في أكبر فضيحة للجيش.
هذه الحرب ستسجل في التاريخ ليس فقط لتمكن قوة محلية من تحميل قوات إسرائيلية في سياراتها إلى غزة، ولكن ستسجل وصول خيارات إسرائيل للحائط.
لذا كانت صحيفة هآرتس تكتب «علينا الإطاحة الآن وليس بعد الحرب بل على الفور بحكومة إسرائيل ورؤساء جيشها الذين جلبوا علينا. هذه الكارثة كل دقيقة يستمرون فيها بإشغال مناصبهم هي خزي وعار على مواطني إسرائيل» تلك ليست مقاربة صحيحة لأن «هآرتس» لا تعرف عمق الأزمة وسببها ... يبدو أنها فقدت توازنها أيضاً.