لا الذين انتقدوا اتفاق أوسلو من الفلسطينيين توقفوا عن شتائمه نحو مضمون الاتفاق ومن توصل له ووقعه، ولا الذين «هندسوه» ملكوا شجاعة المباهاة، بما حققوا، فالاتفاق سواء عبر مضمونه، أو عبر تطبيقاته، وما وصل إليه يحمل من الإيجابيات كما يحمل من السلبيات، وسواء كان بهذا الاتجاه أو ذاك، فالذي صنعه هو موازين القوى، مثل أي اتفاق في العالم العربي، وعبر التاريخ، ولم يصنع أي اتفاق رغبات الموقعين، بل العوامل الذاتية والموضوعية هي التي فرضت التوصل الى مثل هكذا اتفاق.
قادة المستعمرة الإسرائيلية الذين صنعوا وهندسوا ووقعوا على اتفاق اوسلو، أولهم إسحق رابين تم اغتياله، والثاني شمعون بيرس تمت هزيمته، لسبب جوهري أن كليهما تنازلا عن خارطة «اسرائيل» و قبلا الشراكة الفلسطينية على أرض ومشروع المستعمرة، وبذلك «خانا» فكرة الصهيونية ومشروعها في اقامة «الدولة اليهودية» على كامل خارطة فلسطين.
اليمين المتطرف بدءاً من نتنياهو و شارون ومن سار معهما، رفضوا أي تنازل لصالح الفلسطينين، لأن فلسطين مهما بلغت في تواضع خارطتها نقيض للمستعمرة ومشروعها ولفكرتها الصهيونية، ووثيقة محضر الاجتماع الذي أقر الاتفاق عام 1993، وكشفته أجهزة المستعمرة دلل على أن حكومة المستعمرة برئاسة إسحق رابين، كانت مرغمة على التوصل إلى الاتفاق والتوقيع عليه.
والفريق الفلسطيني برئاسة أبو عمار كان يدرك حجم التنازلات والتضحيات التي قدمها، ولكنه راهن على تغيير المعطيات، وضرورة الانتقال الى الوطن من المنفى، لان المنفى لم يكن آمناً وحاضنا، بل تخلله صدامات مع الاطراف المحاذية لفلسطين نتيجة تعارض المصالح الفلسطينية مع مصالح البلدان المجاورة، ولذلك وقع الخيار نحو الانتقال الى الوطن والاندماج بين مسامات شعبهم، وهذا ما حصل حينما فشلت مفاوضات کامب ديفيد في تموز 2000، بين ياسر عرفات ويهود براك، حيث اختار أبو عمار طريق المزاوجة بين المفاوضات والعمل الكفاحي لتغيير موازين القوى، فدفع الثمن باغتياله وتصفيته.
الذين رفضوا اوسلو من حماس والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب قبلوا وشاركوا بمؤسسات اوسلو ومظاهره : من المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي وفي عضوية سلطة الحكم الذاتي الحكومية.
حماس التي كانت تصف اوسلو بالخيانة، كانت في طليعة من استفاد من اوسلو وتكيفت معه وشاركت في مؤسساته، و نالت رئاستي المجلس التشريعي والحكومة، وهما مؤسسات اوسلو، وبعد الانقلاب 2007 عقدت ثلاثة اتفاقات متتالية من التهدئة الأمنية مع حكومة المستعمرة، أسوة باتفاق التنسيق الأمني بين السلطة في رام الله وحكومة المستعمرة.
حماس ملتزمة أشد الالتزام بالتهدئة الأمنية مقابل : 1- المساعدات المالية، 2 - السماح للعمال من أبناء غزة للعمل في مناطق 48، حوالي 20 الف عامل، 3- عدم تعرض قياداتها للاغتيال.
وحدها حركة الجهاد الإسلامي، لم تتورط في أي عمل متفق عليه مع المستعمرة وحكومتها وأدواتها ودفعت الثمن باغتيال قياداتها، ومع ذلك لم تحرك حماس أي فعل، رغم أن الاغتيالات تمت في قطاع غزة: في شهر آب أغسطس عام 2022، وفي شهر أيار مايو 2023.
كما قال ابو عمار رداً على منتقدي اوسلو : «ده بس مساوئ اوسلوا، أوسلو أسوأ من كده بكثير»، ومع ذلك اختار طريق مواجهة الاسرائيليين خلال الانتفاضة الثانية منذ عام 2000، من وسط شعبه داخل فلسطين وليس من خارجها.