- الصحة اللبنانية: 4 شهداء و29 مصابا جراء غارة إسرائيلية استهدفت منطقة البسطة وسط بيروت
لم يعد خافياً على أحد أنّ ثمّة ما بات يلوح في الأُفق القريب لجهة الإجابة عن هذا السؤال.
ولم يعد خافياً، أيضاً، أنّ ما قيل حول «الهزّة» الأرضية التي تعرّضت لها بعض المناطق المقْفرة الإيرانية، وإغلاق الأجواء الإيرانية لعدّة ساعات فقط قبل عدّة أيّام أثار، وما زال يثير الشكوك والتكهّنات حول الأسباب الحقيقية لتلك الهزّة، وذلك الإغلاق.
معروف للجميع أنّ إيران، وحسب المعلن من جانبها رسمياً لا تسعى لامتلاك السلاح النووي لأسباب دينية، شرعية.
ومعروف، أيضاً، أنّ المسألة لا تتعلّق بالضرورة بالقدرة على تصنيع السلاح النووي من عدمها، بقدر ما يتعلّق الأمر على ما يبدو بأنّها تسعى للاعتراف الدولي، والاعتراف «الغربي»، وخصوصاً الأميركي بحقها في الحصول على التقنية النووية للأغراض السلمية، بما فيها تلك التي تتعلّق بالإنتاج، ومدخلات الإنتاج في كل المجالات الاقتصادية، وعلى مختلف مستويات برامج التنمية والتطوير.
وعندما عقدت إيران الاتفاقية حول برنامجها النووي في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وتحت إشراف المخضرم جون كيري كانت «الطموحات» الأميركية تنحصر بـ»لجم» البرنامج النووي الإيراني لمدة عشر سنوات كاملة.
ومعروف، كذلك، أنّ دولة الاحتلال في حينه عارضت هذا الاتفاق، وبصورة تجاوزت كل حدود الاعتراف المعمول به بين «حليفين» على المستوى القائم بصورة نادرة ومميّزة، وربما وحيدة، وقد وصل الأمر آنذاك إلى أن تنطّح «اليمين» الإسرائيلي للعب في ورقة التأثير الصهيوني في الانتخابات الأميركية لصالح دونالد ترامب، كما وصل الأمر آنذاك إلى حدود الخروج عن «اللياقة» الدبلوماسية عندما تمّت دعوة نتنياهو لإلقاء كلمة في الكونغرس على غير رغبة أوباما، إذا لم نقل رغماً عن هذه الرغبة.
تمّت مكافأة «اليمين» الإسرائيلي على ما أبلاه من بلاء حسن في تلك الانتخابات بإلغاء الاتفاق النووي، وزاد من «عطاياه» لهذا «اليمين» بنقل السفارة الأميركية إلى «القدس»، وأغدق على دولة الاحتلال بـ»رزمة كبيرة» كان أهمّها «تطويب» الجولان السوري المحتلّ باسم الدولة العبرية، وعدم اعتبار الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية مخالفة للقانون الدولي. إضافةً إلى شقّ مسار «التطبيع»، و»السلام الإبراهيمي»، والعمل بكل السبل والوسائل لإدماج الدولة العبرية في «تحالف» عربي إسرائيلي جديد في الشرق الأوسط في مواجهة إيران، وفي مواجهة «المدّ»، و»الهلال الشيعي» باعتباره «العدوّ المشترك»، والذي يتطلّب مواجهةً مشتركة.
ومنذ «إلغاء» هذا الاتفاق دخلت إيران في مرحلة هي أشبه بالغموض النووي، حتى وإن بقيت تكرّر موقفها «الشرعي» من صناعة القنبلة النووية.
حاولت دولة الاحتلال جرّ إدارة ترامب آنذاك لتوجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني، دون جدوى.
وكرّرت نفس المحاولة مع جو بايدن دون جدوى، وهدّدت عشرات المرّات بأنّها ستقوم من طرف «واحد» باستهداف ذلك البرنامج، وأوحت في بعض الأوقات بأنّها ماضية في التدرُّب، وفي إجراء مناورات حيّة تُحاكي الهجمات على البرنامج الإيراني، وفشلت في كل مرّة في تحويل تهديداتها إلى عمل عسكري مباشر، واكتفت بالعمليات الاستخبارية الدقيقة والتي تراوحت بين اغتيال العلماء، وتفجير بعض الأجزاء من بعض المفاعلات، حتى وصلت إلى «سرقة» محتويات الملف النووي.
ما تمّ الإفصاح عنه في هذا الملفّ، يشكّل من وجهة النظر الأميركية، ومن وجهة النظر الإسرائيلية طبعاً «يؤشّر» على نوايا مؤكّدة حسب المفصح عنه للذهاب بعيداً نحو امتلاك السلاح النووي في مرحلةٍ معيّنة، أو عند درجة معيّنة من «تطوّرات» الموقف «الغربي»، الموقف الفرنسي الخاص من هذا البرنامج، ومن الموقفين الأميركي والإسرائيلي منه.
تعتبر دولة الاحتلال أنّ اتفاق (5+1) ليس إلّا محاولة فاشلة لوقف مسار حصول إيران على السلاح النووي، خصوصاً وأنّ دولة الاحتلال ليست متأكّدة من أنّ الجانب المعلن من البرنامج النووي الإيراني وفق معطيات الوكالة الدولية للطاقة النووية هو كلّ البرنامج، وهي تصرّ على أنّ هناك ما هو سرّي، وخفيّ في هذا البرنامج.
من ناحية تاريخ البرنامج النووي الإيراني فهو منذ أيام حُكم الشاه، وكما هو معلوم، فقد طلب الخميني من كلّ العاملين في البرنامج استكمال أعمالهم بعيداً عن مجريات السياسة في البلاد.
وبالعودة إلى البرنامج النووي الباكستاني والذي موّلته المملكة العربية السعودية بالكامل فإنّ «التقدّم» العلمي في الباكستان لم يكن أعلى منه في إيران، وبالتالي لو أنّ إيران أرادت صناعة القنبلة النووية على غرار ما قامت به الباكستان لفعلت بكل تأكيد أثناء انشغال «الغرب» بالبرنامجين السوري والعراقي، وهي الفترة «الذهبية» التي استثمرتها إيران بكلّ ذكاء، ووفّرت من خلالها مواردها الضخمة في الصناعات العسكرية، ومن ضمنها طبعاً البرنامج النووي.
أقصد لا توجد عوائق علمية، أو موارد مالية تحول دون الوصول إلى القنبلة النووية، والسرّ في الأمر كلّه هو أنّ إيران كانت تبحث دائماً عن الاعتراف «الغربي» بحقها في امتلاك التقنية النووية، وليس السلاح النووي، لأنّ مثل هذا السلاح لا يتمّ انتزاع الحق به، وهو يُفرض كأمرٍ واقع، وليس كحق يتم انتزاعه.
ولو كانت مسألة تدمير البرنامج النووي الإيراني ممكنة، أو في متناول اليد «الغربية» لما انتظروا إيران دقيقة واحدة.
البرنامج موزّع على عشرات المواقع في جبال يستحيل الوصول إليها بالوسائل العسكرية المعروفة.
يُقال على هذا الصعيد إن الوصول إلى عمق تلك الجبال يحتاج قصفها بمئات الطائرات على مدار عدّة ساعات متواصلة باستخدام قنابل ثقيلة خارقة للتحصينات أكبر شأناً من القنابل التي زوّدت بها الولايات المتحدة الدولة العبرية للوصول إلى العمق الذي كان يوجد فيه نصر الله قبل اغتياله، والتي استخدمها سلاح الجو العدواني الإسرائيلي لثلاث مرّات في لبنان حتى الآن، وسبق أن استخدمها لعدّة مرات في قطاع غزّة.
أقصد أنّ هذه الطائرات كلّها لا تستطيع إنجاز هذه المهمّة لتدمير مفاعل واحد فقط. فكيف سيكون عليه الأمر إذا كانت هذه المفاعلات موزّعة على 50 أو 60 موقعاً بالمواصفات التي أشرنا إليها؟
الحلّ كما هو واضح «أعقد» من الطريقة الساذجة التي يتمّ الحديث بها عن «تدمير» البرنامج النووي الإيراني، والقصف من الجوّ لا يحلّ المشكلة، والصواريخ العملاقة المدمّرة، ربّما هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى بعض تلك المفاعلات.
كان هذا ممكناً قبل أن تصبح إيران دولة صاروخية من طرازٍ متقدّم، وقبل الصواريخ الفرط صوتية التي طوّرتها بالتعاون مع كل من روسيا والصين، والتي تفيد بعض التقارير بأنّها طوّرت عليها، وتفوّقت في صناعة بعض الأجيال الجديدة منها.
فشل ضرب المفاعلات النووية الإيرانية سيعني الحرب الشاملة مباشرة، والحرب الشاملة تعني أنّ إيران ستطلق آلاف الصواريخ الفرط صوتية الأثقل من الصواريخ التي ضربت بها كامل مساحة المواقع الإسرائيلية في هجومها الأخير.
لا مجال مطلقاً من «النجاح» في تدمير المفاعلات النووية الإيرانية إلّا بالضربات النووية المدمّرة.
الضربات النووية المدمّرة ستعني مباشرةً حق دول كثيرة بحماية نفسها والمبادرة إلى استخدام السلاح النووي في مناطق كثيرة، وخصوصاً في أوروبا الشرقية من قبل روسيا، وفي بحر الصين من قبل الصين، وفي كوريا الجنوبية من قبل كوريا الشمالية، وربّما في مناطق أخرى كثيرة.
هذا إذا لم تكن إيران نفسها في الأسابيع القليلة الماضية قد جهّزت سلاحها النووي الخاص، بالإيحاء وليس بالإعلان. والإيحاء في هذه الحالة أكثر تأثيراً من الإعلان نفسه، وقد يكون تأخير الردّ الإسرائيلي على الضربة الإيرانية الموجعة على صلةٍ بكلّ هذه التفاصيل «النووية».