- قوات الاحتلال تدفع بتعزيزات عسكرية تجاه مدينة قلقيلية من المدخل الشرقي
لو استعرضنا الواقع الذي وجد الشعب الفلسطيني نفسه في جحيمه صبيحة النكبة، في مخيمات اللجوء التي انتشرت في المحيط العربي، وإلحاق الضفة الغربية للمملكة الأردنية الهاشمية وقطاع غزة لمصر، فيما خضع الباقون في فلسطين تحت الحكم العسكري للميليشيات اليهودية المسلحة التي "أصبحت" إسرائيل، فثمة معجزة حقيقية أنجزها الفلسطينيون تتمثل في الحفاظ على هويتهم الوطنية، حين اختفت "فلسطين" من الخرائط، وحين اختفى الفلسطينيون من السياسة سواء في اتفاقيات الهدنة أو المحادثات التي تلت النكبة بين الجامعة العربية ودولها المهزومة و"إسرائيل"، وجرى استثناؤهم حتى من مجرد تمثيل أنفسهم.
لقد نهضت الهوية الوطنية الفلسطينية على أكتاف جيل من المثقفين الثوريين وجيش من المعلمين الذين التحقوا بمدارس "وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين".
الثقافة والتعليم هما من الروافع التي اتكأ عليها الشعب الفلسطيني ليعاود الوقوف في وجه التهجير والإلحاق والنفي والاحتلال العنصري.
كان الوعي بالهوية الوطنية الذي عززه جيل من المثقفين - الشعراء على وجه الخصوص - والمعلمين هو الأرضية التي نشأت عليها الثورة الفلسطينية وإرهاصاتها في مطلع العقد السادس من القرن الماضي، وكانت مدارس وكالة الغوث في المخيمات قد أنضجت جيلاً جديداً من الفلسطينيين درس في المنفى وهو يحدق في ذكريات النكبة حيث يتشكل حلم العودة.
تواصل الأجيال وقوة الحلم وقسوة الواقع والإحساس العميق بالظلم، منح "العودة" تلك القوة التي تحولت إلى إرث جيني عائلي يصعب تجاوزه أو الاستخفاف بنفوذه في الثقافة الوطنية.
"صفقة القرن" لم تكن محصلة ساذجة لمجموعة من العنصريين أو مجرد نزوة لطائفة مهووسة ورئيس مشوش، ولم تكن مجرد خارطة للمستوطنات الإسرائيلية تتخللها "فلسطين"، كان الأمر أعمق من ذلك ويذهب إلى تصفية المنابع التي يتغذى عليها حلم "العودة"، لذلك كانت عملية إنهاء دور وحضور وكالة الغوث "الأونروا" جزءا أساسياً من الصفقة.
يُعرف قرار تأسيس "الأونروا" اللاجئين الذين يمكنهم الحصول على خدماتها في مناطق عملياتها والذين تنطبق عليهم صفة "لاجئ" المسجلين لدى الوكالة، بما يشمل أبناء لاجئي فلسطين الأصليين، والمنحدرين من أصلابهم.
عندما بدأت الوكالة عملها في العام 1950، كانت تقدم خدماتها إلى ما يقرب من 750 ألف لاجئ فلسطيني.
واليوم وضمن التعريف السابق فإن حوالي خمسة ملايين لاجئ من فلسطين يحق لهم الحصول على خدمات "الأونروا".
هنا، بالضبط، تحاول إدارة ترامب أن تبني جداراً يفصل بين أجيال اللاجئين وتكتفي بالرقم الأول 750 ألفاً الذي ظهر في العام 1950، متتبعة خط الموت عبر سبعة عقود لتصل إلى رقم جاريد كوشنر، الذي توقف عند 50 ألفاً من المعمرين الذين لم يموتوا بعد، والذين على وشك الموت بحيث يختفي الرقم نهائياً.
تصفية "الوكالة" هو محاولة لتصفية "حق العودة"، وهو يتجاوز "الخدمات" التي تقدمها سواء عبر المساعدات والخدمات الصحية والتعليمية أو من خلال التشغيل. وهي خط مواجهة لا يقل أهمية عن مشروع الضم أو تهويد القدس.
"الأيام"