الكوفية:الكارثة التي حلت على الاشقاء اللبنانيين، مؤلمة جدا، وهذه هي بيروت القريبة منا، خمسون دقيقة بالطائرة من عمان الى بيروت تقريبا، فهي على مرمى القلب وأقرب.
تنهمر التحليلات هذه الساعات، حول سبب الكارثة، وإذا كان الكلام عن تحقيق محلي أو دولي، يزاحم الأزمة في ظلالها الإنسانية، إلا أنه من المؤكد ان انفجارا بهذا الحجم، لن يترك خلفه دليلا، فلا احياء نجوا ليحكوا عن الذي حدث في مرفأ بيروت، ولا أدلة تبقى ولا آثار.
آلاف الاطنان من نترات الامونيا، مخزنة في ظروف سيئة، منذ سنوات، مع العاب نارية ومفرقعات، في ذات المنطقة، واذا كان البعض يتحدث عن تماس كهربائي، أو وجود عمليات لحام بالأوكسجين في تلك المنطقة أدت الى الحريق اولا، أو ان ارتفاع حرارة الطقس مع سوء التخزين أديا الى هذه الكارثة، فإن السيناريو الإسرائيلي لا يغيب أيضا.
حسن نصر الله زعيم حزب الله، هدد قبل سنوات، الاحتلال الإسرائيلي بتفجير مخازن الامونيا على شواطئ حيفا المحتلة وتحدث يومها عن تفجير شبه نووي سيؤدي الى مقتل عشرات الآلاف، ولأن العرب ينسون فيما الإسرائيليون لا ينسون، بقيت القصة عالقة ولم تتبدد.
على الأرجح أن ما جرى في مرفأ بيروت عمل تخريبي، عبر عميل زرع عبوة ناسفة تم توقيتها، داخل العنبر، فانفجرت دون موعد، ليس ردا على تهديد حسن نصر الله القديم، بل لغايات أخرى، وعملية زرع العبوة الموقوتة ليست صعبة، في بلد يوجد لإسرائيل فيه عملاء، فيما الكلام عن صاروخ موجه من سفينة، أو عبر طائرة لم يثبت حتى الآن، وكل الفيديوهات التي يتم توزيعها إما قديمة لحوادث حدثت في مناطق ثانية، أو على أساس استنتاجات أو روايات شهود عيان يقولون انهم رأوا صاروخا ينطلق نحو المرفأ، لكن لا احد قدم دليلا نهائيا على ما يقول، لتبقى رواية العبوة الناسفة الموقوتة محتملة، وقابلة للتأكيد أو النفي لاحقا.
لكن الخلاصة هنا، ان التفجير كان بفعل فاعل، واذا كان الغضب الشعبي ينصب على مؤسسات الدولة اللبنانية بسبب الإهمال، وترك مدينة بحرية عائمة على شبه قنبلة نووية طوال هذه السنوات، بحيث وجد من أراد بلبنان شرا قنبلة جاهزة للتفجير دون ان يتحمل أي مسؤولية علنية، فإن هذا لا ينفي ان الحادث يصب في إطار آخر، هو المعركة بين حزب الله وإسرائيل، والحاجة لخلخلة لبنان كليا فوق ازماته.
من الطبيعي جدا ان ينفي حزب الله، وجود مخازن أسلحة له، في المرفأ، وهو سيدفع بكل قوته من اجل نفي رواية الحادث التخريبي من جانب إسرائيل حتى لا يتحمل المسؤولية امام اللبنانيين، وقد اصبحوا بلا ميناء، ولا وقود ولا ادوية ولا قمح كافيا، ولا غذاء بسبب تدمير الميناء، فحزب الله هنا، ليس من مصلحته ان يتحمل الكلفة امام اللبنانيين، وانه جلب اليهم اللعنات عبر الإسرائيليين، الذين يريدون تدمير لبنان كونه بات تحت حكم حزب الله، فيما من الطبيعي جدا ان ينفي الإسرائيليون علاقتهم بالحادثة حتى لا يتحملوا الكلفة امام العالم، كلفة الضرر الواقع على الأبرياء، وتدمير مدينة بأكملها، وتجنبا لرد فعل حزب الله، الذي أيضا للمفارقة لن يرد على الحادثة حتى لو تأكد انها مجرد عمل تخريبي، كون لبنان اليوم في اضعف حالاته، ولا يحتمل الدخول في حرب، ولا جر البلد الى مواجهة بهذا الشكل.
حادثة التفجير لمرفأ بيروت، غامضة، وهي تذكرنا بعشرات حوادث التفجير والحرائق في ايران، وهي حوادث لم تستطع ايران تفسيرها، تبدأ فجأة وتضرب أهم المنشآت، وكأننا امام شبكات إسرائيلية تقوم بأعمال تخريبية في كل مكان، أو اختراقات تقنية تؤدي الى الحوادث وفقا لبعض التفسيرات، والذي يحلل حوادث ايران، وحادثة مرفأ بيروت، يجد شبها غريبا، فالحرائق تبدأ فجأة، ودون سبب واضح، في مؤسسات حساسة واساسية.
ما يهم هنا، وسط هذا المشهد القابل للتأكيد والنفي، ان نقول ان الشعب اللبناني تعب كثيرا، وحمل احمالا ثقيلة، فوق الانهيار الاقتصادي، والصراع السياسي، ووباء كورونا، وكل هذا يقودنا الى السؤال حول الكلفة السياسية التي سنراها في لبنان عما قريب.
ولو تبين لاحقا براءة إسرائيل من الحادثة، الا انها المستفيد الأول والأخير.
صحيفة الغد