اليوم الاثنين 07 إبريل 2025م
تشييع الطفل ربيع في بلدة ترمسعيا شرق رام اللهالكوفية الاحتلال يفتش منازل في قلنديا وشعفاط ويزيل شعارات بالعيسويةالكوفية تطورات اليوم الـ 21 من حرب الإبادة الجماعية على غزة بعد استئنافهاالكوفية اتحاد أنباء "التعاون الإسلامي" يدين استمرار الاحتلال في قتل الصحفيين واستهدافهمالكوفية 57 شهيدًا و137 إصابة وصلوا مستشفيات غزة خلال 24 ساعة الماضيةالكوفية لازاريني: إسرائيل تواصل قصف المراكز الصحية والإمدادات الطبية والأساسية تنفدالكوفية "الأيام نيوز".. قلمُ الجزائر الذي يُنقذ أنين الأسرى من زنازين الاحتلالالكوفية الاحتلال يخطر بهدم منزلين وإزالة بركسات في المغيرالكوفية "الصحة العالمية": 90% من الحوامل والمرضعات في غزة يعانين سوء تغذيةالكوفية "الخارجية": استهداف الاحتلال المتعمد للصحفيين محاولة لإخفاء جرائم الإبادة في غزةالكوفية الاحتلال يخطر 11 مبنى ببلدة ترقوميا بالهدم ووقف البناءالكوفية البورصات الأوروبية والآسيوية تهوي على وقع رسوم ترمب الجمركيةالكوفية رياض محرز يتضامن مع غزة.. "أوقفوا الحرب"الكوفية 93 مستوطنا يقتحمون باحات "الأقصى"الكوفية الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة طولكرم ومخيميها لليوم ال71 على التواليالكوفية سموتريتش: نستخدم التجويع سلاحا ضد الفلسطينيين ولن يدخل غزة حبة قمحالكوفية استشهاد 210 صحفيين منذ بدء حرب الإبادةالكوفية بالفيديو والصور || شهيدان أحدهما صحفي ومصابون في قصف خيمة بمستشفى ناصرالكوفية شهيد بغارة إسرائيلية على مركبة جنوب لبنانالكوفية شهيدان وعدد من المصابين في قصف الاحتلال عددا من المواطنين في محيط مفرق الأمن العام غرب مدينة غزةالكوفية

الرجل السلكي

11:11 - 18 يوليو - 2020
عيسى قراقع
الكوفية:

ربما لا يصدق أحد انه في فلسطين وفي منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط يعيش رجل سلكي جسمه كله من أسلاك، يتحرك بالأسلاك، ويمشي بالأسلاك ويأكل بالأسلاك، وحوله أسلاك من كل صوب.

وفي زمن الاحتلال الإسرائيلي ومن خلال الخبرة التكنولوجية الفائقة لدولة الترسانة المسلحة في المنطقة استطاعت أن تحول الإنسان من بشر إلى كائن آلي، يستطيع أن يعيش حاملا أسلاكه بدلا من شرايينه، يتنفس بالأنابيب ويبول بالأنابيب المحمولة على أكياس والمتدلية من خاصرتيه.

إنه الرجل السلكي الاسير منصور محمد عبد العزيز موقدة سكان سلفيت المحكوم 30 سنة والمصاب بالشلل ويتنقل على كرسي متحرك في ما يسمى عيادة مستشفى الرملة منذ اعتقاله عام 2002، بعد إصابته بوابل من الرصاص الدمدم والمتفجر الذي مزق جسده ودمر أعضاءه الداخلية ، ولم يصحو من الموت المتوقع إلا بعد 30 يوما من غيبوبة طالت في مستنقع من الدم.

أطباء سجون الاحتلال ركبوا له شبكة معقدة من الأسلاك في الحوض والبطن والعمود الفقري، بعد أن وجدوا أن قدميه قد شلتا تماما، وها هو حيا، بطنه متكور ومعدته جميعها من الأسلاك وبحاجة إلى شبكة فولاذية أخرى بعد أن تدهور وضعه الصحي مؤخرا، وربما سيحتاج إلى سلك آخر للتنفس من الرقبة بعد أن أصيب بأزمة صدرية حادة.

يقول منصور عن نفسه أنه الشهيد الحي، أو الشهيد القادم، وبدأ يرتب ليوم الآخرة فاشترى كفنا أبيض لأنه يرفض أن يوضع في كيس اسود، وكتب وصيته بأن يدفن في جوار البيت ويزرع حول قبره شجرة زيتون، موضحا انه يعيش في قبر وجميع من حوله مشاريع موتى، وقد بدأوا يغادرون داخل أكفانهم واحدا واحدا.

الرجل السلكي يرى أطباءا ينتظرون أن تحين ساعة حتفهم، هؤلاء الأسرى المعاقين والمشلولين والمصابين والمقطعة أعضاءهم، أغلقوا ملفاتهم الطبي قائلين لهم: ستبقون على هذا الحال حتى تحين ساعتكم، لا دواء ولا فحص ولا شفاء، سنبقيكم أحياء حتى الشهقة الأخيرة ، وان عدتم ستعودون مغمضي العيون غير قادرين على رؤية المشيعين في تلك اللحظات.

الرجل السلكي الذي يحمل أكياس بوله وبرازه وتعيش في جسمه أسلاك متعددة، تصيبه رعشات سلكية بين فترة وأخرى، يرتجف ويرتعش ، نوبات كهربائية لا توقفها المسكنات والنظرات الساخرة.

منصور موقدة قدره أن يمر عنه الأموات والأحياء في عيادة هي أسوأ من السجن، يعيش فيها 20 أسيرا مريضا ومدمرا، معزولين عن الحياة واليقين، يراقبوا أرواحهم صعودا وهبوطا تتوجع وتسير في أسلاك أجسامهم لا تجد لها سقفا للطيران .

الرجل السلكي يسمع صرخات الألم واحتكاك الأسلاك باللحم والعظم في أجساد رياض العمور وناهض الأقرع واسراء جعابيص ونضال ابو عاهور وياسر رباعية وموفق العروق وعلاء الهمص ومراد أبو معليق وسلام الزغل وسعيد البنا وفؤاد الشوبكي ورشدي ابو مخ ومحمد براش، ويرى أعضاء كمال ابو وعر تنكمش ولسانه يتوقف وتصدا أسلاكه وتتكوم على عجلات لا طريق أمامها سوى الصمت.

الرجل السلكي يتوجع من أورام جديدة برزت في رقبته، ومن شظايا حديدية منتشرة في جسمه، ومن رائحة بارود هي أقوى من رائحة الدواء المتناثر في الهواء المخنوق.

الرجل السلكي أطلق لحيته حدادا على نفسه، بعد أن شاهد زهير لبادة وأشرف أبو ذريع وحسن ترابي وعرفات جرادات وميسرة أبو حمدية وزكريا عيسى وسامي ابو دياك وبسام السايح وسعدي الغرابلي وفارس بارود  يخرجون أمواتا تاركين وراءهم قطعا من أجسادهم وسعالهم وملح جروحهم ونداءاتهم الموجعة.

الرجل السلكي يتهيأ للموت، لا جرعات كيماوية أنقذت معتصم رداد، ولا حبوب المسكنات أيقظت خالد الشاويش من نومه العميق داخل شلله وإعاقته الدائمة، لا أقدام لناهض الأقرع، ولا عيون لمحمد براش ، وإياد نصار، ولا من يقرع الباب ليزورهم ويبتسم للذاهبين إلى العدم.

الرجل السلكي رأى كيف أن عددا من الأسرى المرضى حاولوا الانتحار يستعلجون الرحيل لإيقاف الموت البطيء ، يرسمون النهاية، ويحلقون في أغانيهم الخاصة، وحدهم يقيمون الصلاة بلا آذان وبلا آيات مسموعة جالسين ساكتين.

منصور موقدة انتظر، سيزورك ممثل منظمة الصحة العالمي، وأمين عام هيئة الأمم المتحدة، وطواقم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والإعلاميون من كل مكان، للإعلان عن رجل استطاع أن يبقى حيا، يعيش بالأسلاك، ويصافح الناس بالأسلاك، ويتحرك على الأسلاك، ويكون اكتشاف عالمي يضيف إلى المنظومة الإنسانية والعدالة الكونية فجيعة أخرى من فجائع الحرب، وجريمة جديدة من جرائم دولة الاحتلال، وستراهم كلهم مندهشين وخائفين.

الرجل السلكي مازال له مشاعر وأحلام بالحب والعودة، وهذا ما أدهش السجانين الذي اعتقدوا أنهم نزعوا إنسانيته وحولوا جسده إلى هيكل وظيفي، لازال قادرا على الكلام واجتراح الأمل ، يدرب أسلاكه على الصمود أكثر، ويرسم خطوات منفلته من دائرة الشيك ويتجه صوب القلب.

منصور موقدة المحشور في آلامه الفائضة، والمسيج بالإهمال الطبي وبعشرات الأبواب المغلقة وبجروح مفتوحة تتدلى منها أسلاك الأطباء الشائكة ، لا يريد منا غير أن نحميه من التدمير ، أن يظل جسده متماسكا ، أصابعه، عيناه، قدماه، بحره ومقاس جنازته، رجاؤه المقدس أن يعانق الحرية قبل أن يغمض عينيه ويرى الأولاد.

 

( الكوفية )

كلمات مفتاحية
كن أول من يعلق
تعليق جديد
البريد الالكتروني لا يظهر بالتعليق