الكوفية:يهدد نتنياهو غانتس، إمّا الموافقة على الضم أو التوجه لانتخابات جديدة ويبدو للوهلة الأولى وكأن التوجه الأول يناقض الثاني، في حين أنّ كلاً من هاذين الخيارين منفردين أو مجتمعين يخدمان مصلحة نتنياهو المباشرة، فالضم هو مشروع حياة نتنياهو والانتخابات القادمة مضمونة لصالحه، خيار الضم يُدخل نتنياهو التاريخ، ليس فقط باعتباره صاحب أكبر مدة في رئاسة الحكومة الإسرائيلية منذ قيام دولة الاحتلال عام 1948، بل إنّ الضم يُدخله التاريخ كمحقق للنبوءات التوراتية، خطة الضم تأتي في ظل إدارة أميركية موالية وداعمة، ما يجعلها فرصة تاريخية لا يمكن تعويضها، خاصة وأن نتنياهو يضع في الاعتبار أن تسفر الانتخابات الرئاسية القادمة عن فوز بات محتملاً لبايدن الذي تحدث صراحة عن رفضه لخطة الضم، بينما تنفيذ هذه الخطة الآن وليس غداً يؤدي إلى واقع جديد يفرض نفسه على أي إدارة أميركية جديدة، لهذه الأسباب وغيرها ما زال نتنياهو يضع تنفيذ خطة الضم كأولوية لجهوده في هذه الفترة، وسيفرضها رغم كل ما يقال عن التحديات التي تواجه هذه الخطة، سواء لجهة الخلافات داخل حكومته ومعارضة مجلس المستوطنات، أو لجهة تعارضات مع الرؤية الأميركية لتنفيذ الخطة، ناهيك عن ردود فعل المجتمع الدولي الغاضب والعربي المناهض، وأولاً وفوق كل ذلك الرفض الفلسطيني القاطع لهذه الخطة.
فيما يتعلق بعائق الخلافات داخل حكومته، فيبدو للوهلة الأولى أنّ بإمكان نتنياهو الحصول على الأغلبية المطلوبة لإقرار الخطة من دون الحاجة لأصوات أزرق - أبيض، إلاّ أنّ بعض الانزياحات في سياق التكتل اليميني الداعم لنتنياهو في الساعات الأخيرة تشير إلى أنه لم يعد يملك العدد الكافي من الأصوات اللازمة لدعم تنفيذ الخطة، وذلك بعد أن أبدى حزب "شاس" معارضته لتأييدها إلاّ في حال موافقة "أزرق- أبيض" عليها، وأن صوتاً واحدا ربما يؤثر على نتيجة التصويت لإقرار خطة الضم، وهو صوت مستشاره الأسبق الشريك الحالي وخصمه في الائتلاف يوعاز هندل الذي بات يلعب دور بيضة القبان في سياق إقرار الحكومة لخطة الضم، أمّا بشأن رفض قيادة مجلس المستوطنات فإن نتنياهو نجح في شقها، حيث بات عدد أكبر من قادة المستوطنات يدعم خطة الضم.
يراهن نتنياهو على انقسامات داخل إدارة ترامب، وهي التي أدت إلى الدعوة لاجتماع ربما تم عقده بالفعل مع نشر هذه المقالة، وبصرف النظر عن أي قرار بهذا الشأن فإن ارتباك إدارة ترامب لأسباب باتت معروفة تجعلها أقل قدرة على مناكفة حليفها الأبرز، من هنا فإن اشتراطات إدارة ترامب قد لا تشكل عائقاً حقيقياً أمام نوايا نتنياهو في تصميمه على تنفيذ خطة الضم.
يعتمد نتنياهو كما كل أسلافه السابقين في رئاسة الحكومة على سياسة فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين وعلى المجتمعَين الدولي والعربي، ربما تكون هناك خلافات حادة تصل إلى درجة عقوبات، لكن ما يبقى من ذلك كله هو الخريطة الجديدة بعد تنفيذ خطة الضم، موقف الاتحاد الأوروبي هو الأكثر تحدياً لخطة الضم إلاّ أنّ البرلمان الأوروبي صوّت قبل أيام قليلة على اتفاقية "السماوات المفتوحة" وهي إشارة واعدة بالنسبة لنتنياهو بإمكانية احتواء أي عقوبات قادمة من قبل الاتحاد الأوروبي الذي نجح في فرض عقوبات على روسيا عندما ضمت أوكروانيا، ولكن على ما يبدو أنها لن تنجح في فرض عقوبات جدية على نتنياهو في حال قيامه بضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، أما بالنسبة للمنظومة العربية فإن سياسات الأمر الواقع التي أشرنا إليها حولت سياسة المقاطعة العربية ضد إسرائيل من 1948 إلى سياسة تطبيع في الأوقات الراهنة، هذه التحولات فرضتها سياسة الأمر الواقع التي انتهجها نتنياهو والتي من المؤكد أنه سيبقي عليها لمواجهة تحديات الضم القادمة.
تخوفات كبار الجنرالات المتقاعدين وعمداء الأبحاث في معهد دراسات الأمن القومي من ردود فعل فلسطينية غير مسبوقة يعتقد نتنياهو أنه بإمكانه احتواؤها ولا يخشى من التهديد بانهيار السلطة، كما يمكن له التعامل مع أي خطوات جدية يتخذها الأردن باتجاه مراجعة اتفاقية وادي عربة.
وإذا لم تنجح عملية الضم لسبب او لآخر إذا ما كان نتنياهو مصراً على تنفيذها بالكامل، وهو أمر موضع شك أيضاً، فإن التوجه لانتخابات جديدة حسب تهديده لغانتس يخدم مصالحه كما بات واضحاً من نتائج استطلاعات الرأي، والخلاصة أن نتنياهو ليس في مأزق وهو الرابح أينما كانت الوجهة، حتى لو فشل مخطط الضم مؤقتاً فإنه الأقدر على تحميل مسؤولية هذا الفشل على غيره، كما يبدو من خريطة التقاطعات والاستقطابات السياسية بهذا الشأن.