الكوفية:منذ فوزه الأول كرئيس للوزارة الإسرائيلية يونيو 1996، مثل نتنياهو رمزا العنصرية الحديثة الحاكمة ضد الشعب الفلسطيني، وكان رأس الحربة مع شريكه الفاشي شارون لتنفيذ الخلاص الكامل من اتفاق إعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) بين منظمة التحرير وإسرائيل، بعد التخلص من رابين اغتيالا، بدعم من قوى دولية وإقليمية، حيث ارتأى كل منها "خطرا ما" على مصالحها ومشاريعها في ذلك الاتفاق.
نتنياهو، الذي سقط سريعا عام 1999 كونه تمرد علانية على "رغبة" أمريكية نتاج "تفاهم واي ريفر" 1998، توارى سنوات الى أن أتيحت له العودة عام 2009 لتشكيل حكومة استمرت حتى 2020، حيث فقد تحالف اليمين العنصري الديني المتطرف أغلبيته البرلمانية، بفضل فوز تاريخي للقائمة العربية المشتركة، التي أصبحت "رقما صعبا"، لن يعود بالإمكان تجاهل حضورها الرسمي بعد الشعبي، ما مثله فوزها برئاسة لجنتين في الكنيست للمرة الأولى منذ عام الاغتصاب الكبير 1948.
سقوط نتنياهو الانتخابي، وبداية نهاية "عهد عنصري فريد" يمثل نقطة سياسية هامة، لا يجب التعامل معها كأنها حدث إخباري، كما تحاول بعض الأوساط التي ترغب باستمرار "العنصرية المتطرفة" سلطة قائمة لحسابات خاصة، ولذا فوضع بداية النهاية لرمز التطرف العنصري وبفضل قوة قائمة عمودها الفقرة فلسطينيين، لهو بداية لتغيير مشهد عام، فما بعدها لن يكون كما قبلها، ومع حكومة خالية مع التحالف الديني الإرهابي، سيكون هناك خارطة جديدة.
وجاء مشهد تمسك حليف نتنياهو برئاسة الكنيست وعدم الاستقالة، ليكشف عن المخاوف التي يدركها ذاك التحالف مما سيكون لاحقا، ليس فقط بخروج نتنياهو من المشهد السياسي والانتهاء به "طريدا" في معتقل خاص، ولعل أقوال إدلشتاين ضد قرار المحكمة العليا تمثل وجها من أوجه "الفاشية الكامنة" التي كشفت ذاتها مع خسارة ليست خسارة منصب بل خسارة مسار، كونه الأول الذي جاء بفضل انتصار تاريخي لقوة صاعدة سيكون لها أثر هام في معادلة المشهد الإسرائيلي القادم.
وباء نتنياهو السياسي، مثل الخطر الأبرز على المشروع الوطني الفلسطيني، حيث رسم ملامح "المشروع التوراتي والتوسعي الاستيطاني" بديلا، ونجح بشكل غير مسبوق في وضع ركائز ذلك المشروع الصهيوني في الضفة والقدس، وفصل قطاع غزة جغرافيا وسياسيا، بعد أن استثمر الانقسام الفلسطيني سياسيا لخدمة مشروعه، عبر اشكال متعددة.
تزامن نهاية عهد "وباء نتنياهو السياسي" مع خطر وباء كورونا وأثره على المعادلة الكونية السياسية، سيكون له أثر كبير على الخطة الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة بـ "خطة ترامب"، فالخريطة السياسية الكونية لن تعود وفقا لما كانت قبل فبراير 2020، ما يترك أثره المباشر على الوضع الإقليمي والعلاقات مع دولة الكيان، التي كشف خطر كورونا انها ليست تلك "الدولة" التي حاول البعض العربي لغايات سياسية وضعها في مكانة "النموذج الفريد"، مقارنة بدونية مستدامة مخزونة عند بعضهم.
الهلع من وباء كورنا، لن يقف عند حدود الإنسانية فحسب، بل سيفرض وقائع سياسية جديدة، ومنها المعادلة الشرقية الأوسطية، مع اهتزاز جذري لميزان القوى السياسي العالمي، وما سينتج من تبادل أدوارا في مفاتيح "القرار الكوني".
بداية نهاية وباء نتنياهو السياسي لن يكون بشكل آلي، بل يحتاج عملا منسقا مميزا يساهم ليس في نهاية عهد عنصري فحسب، بل لرسم ملامح عهد اقل عنصرية، يعيد الاعتبار لمسار المشروع الفلسطيني الممكن – المتاح وفق الشرعية الرسمية الفلسطينية والعربية – الدولية، بعد أن تم تعطيله بقرار رسمي فلسطيني.
مع إعلان حكومة جديدة للكيان الإسرائيلي يجب أن يعلن الرئيس محمود عباس فورا حكومة دولة فلسطين صاحبة الولاية السياسية على الأرض المحتلة عام 1967 وفقا لقرار 19/67 لعام 2012.
إعلان الطوارئ السياسية للخطوة التالية يجب أن يوازي إعلان الطوارئ لمواجهة وباء الكورونا...فتلك هي الخطوة التي يمكنها رسم طريق الاستقلال الوطني الجديد، ودونها فلا قيمة لنهاية وباء العنصرية النتنياهوية، بل سيكون نصر جديد لوبائين فايروسي وسياسي.
التاريخ قاطرة لا تنتظر الكسالى ابدا...حكمة تاريخية منذ القدم فهل يدركها قادة فلسطين!
ملاحظة: متى يكسر رئيس حركة حاس إسماعيل هنية الرهان على تغذية الانقسام بمكالمة خاصة مع الرئيس محمود عباس يخبره فيها أن مفتاح "الحكم الغزي" باتت جاهزة ليستلمها...هل تتحقق "المعجزة الكورونية"!
تنويه خاص: تعلموا أنه من الصعب جدا إخفاء أي معلومة تتعلق بخطر كورونا...ولا ضرورة للمماطلة في الكشف عنها...ولحماس في غزة باب مواجهة الفايروس في رام الله وليس تل أبيب ...واضح!