- مراسل الكوفية: قصف مدفعي عنيف يستهدف غربي النصيرات
كتب- شعبان فتحي: قبل 15 عاماً وفي مثل هذا الشهر من العام 2004، رحل عن عالمنا الشهيد خالد الذكر ياسر عرفات (أبوعمار)، بعد حصار دام لأكثر من عامين بمقر إقامته في رام الله، فدوت صرخته تزلزل جنبات العالم "شهيدًا.. شهيدًا.. شهيدًا"، لا نزال نسمع صداها حتى يومنا هذا.
عند الحديث عن "أبو الوطنية" علينا الخروج من كل قوالب الكتابة المعروفة، فنحن لسنا بصدد الحديث عن شخص عادي، لكننا نرصد سيرة مناضل أفنى حياته من أجل الوطن، فخلد ذكراه العطرة وحفرها في وجدان الوجدان، حتى أن الطفل الفلسطيني في مهده يعرف من هو أبو عمار.
نضال الزعيم الراحل أبو عمار لم يتوقف عند المعترك السياسي، ومحاربة المحتل الإسرائيلي، وكفاحه من أجل الوطن، لكنه أيضًا دافع عن المرأة وناضل من أجلها، فحفر لنفسه مكانة خاصة في قلوب المرأة، لا يزال محتفظًا بها حتى يومنا هذا.
كان يقدس المرأة
السيدة سهى عرفات، أرملة الرئيس الراحل أبو عمار، أكدت في حوار صحفي، أنه كان يحترم المرأة ويقدسها وينحني للنساء كافة، مضيفة "لم أر في حياتي رجلًا يحترم المرأة كأبي عمار، كان يقدس المرأة وينحني لها، والدليل تعامله الأخلاقي مع كل نساء شعبنا في كل المجالات".
ورأت سهى عرفات أنّ المكانة التي أعطاها أبو عمار للمرأة الفلسطينية لم تعط لأي امرأة في الوطن العربي، فقد كان لها دورها المميز في المجلس الوطني الفلسطيني وفي اللجنة المركزية واللجنة التنفيذية، وأنه وبفضله "كانت فلسطين سباقة باستصدار قوانين إجتماعية متطورة وجديدة تحفظ حقوق المرأة وتحميها".
واعتبرت أن أبو عمار لم يحم فقط المرأة الفلسطينية وإنما كان أباً لكل الفلسطينيين والمظلة التي تظللهم وتحميهم، وأنهم كانوا يعتبرونه المرجع والملجأ ولم يكن رئيساً، كان اباً للشعب الفلسطيني".
عرفات ينتصر لأرامل الشهداء
الكاتب الصحفي توفيق أبو شومر، أكد أن للمرأة مكانة كبيرة في حياة "أبو عمار"، حتى أنه كان يغضب إذا ما أهان أحد أية امرأة فلسطينية.
ويحكي "أبوشومر" أن "أبو عمار صفع حارسًا من طاقم حراسته، أمام حشد كبير من أرامل الشهداء، ممن وقفن أمام بوابة مكتبه، يطلبن إنصافهن، فقام الحارس بدفع إحداهن، لمنعها من دخول المكتب، مما جعلها تبكي، وحينما خرج أبو عمار للاستفسار عما يبكيها، وقصت عليه ما حدث، صفع الحارس على وجهه، وعنفه قائلًا، "كيف تهين المناضلات الفلسطينيات الشريفات".
ويضيف "أبوشومر" صوت الصفعة على وجه الحارس جعل النساء يبتلعن ألسنتهن، فساد الصمت المكان، وشخصت كل العيون إلى وجهه، قبل أن يطلب إدخال وفد من أمهات الشهداء إلى مكتبه، أما هو فاقترب من عربة إحدى السيدات المقعدات ودفعها بيديه نحو مكتبه، وبعدها خرجت النساء من مكتبه وقد علت وجوههن الابتسامة حتى أن إحداهن أطلقت "زغرودة" وهي تقول "الله ينصر أبو عمار قرر صرف كل مستحقاتنا".
مكانة خاصة للمرأة
الدكتورة وسام الريس، مسؤولة ملف الإعلام باتحاد المرأة الفلسطينية، أكدت أن الرئيس الراحل أبوعمار كان أبًا للشعب الفلسطيني، واهتم بالمرأة وخصها في إعلان الاستقلال عام 1985.
وأضافت، "على الصعيد العملي شغلته قضاياها والنهوض بها في المجتمع ومساواتها بالرجل في جميع المجالات، لدرجة أن المرأة في حركة فتح كانت تتدرج بنفس رتب الرجل".
وعن أبرز مواقفه، من المرأة تقول الريس، "أبوعمار اهتم بسيدات فلسطينيات كثيرات مثل السيدة فاطمة بروناي، أول أسيرة فلسطينية، كما اختص اتحاد المرأة الفلسطينية بالدعم المادي والمعنوي وكانت له عادة لم تنقطع أبدا تتمثل في زيارة بيوت بنات وأخوات الشهداء في الأعياد".
وتوضح الريس، أن أبوعمار كان إنسانًا فذًا فهو أب وسياسي وفدائي وقائد ولن يتكرر، حيث إنه كان يستمع لحديث أي شخص أمامه بكل اهتمام حتى لو كان طفلا صغيرا، وكان ديمقراطي في جميع نقاشاته مع أي شخص.
وعن أكثر المواقف لعرفات، تدل على تقديره للمرأة تقول الريس، "خاضت السيدة سميحة خليل أول انتخابات للسلطة الفلسطينية أمام الرئيس ياسر عارفات، وكان يدعمها بشدة ولم يقم بحظر أي دعاية لها ووقف بجانبها احتراما لتجربتها"، مشيرة إلى أن أكثر سيدتين كانتا مختلفتين أيديولوجيا مع أبوعمار هن: "سميرة أبوغزالة وحنان عشراوي" وكنوا له كل الاحترام.
ابنة عرفات التي تزوجها نزار قباني
الشاعر الراحل نزار قباني، يحكي في إحدى حواراته عن علاقة ياسر عرفات، بزوجته العراقية بلقيس الراوي، قائلاً كنت أجهل الكثير عنها وفي يوم مقتلها عام 1981 في حادث تفجير السفارة العراقية ببيروت، ظهر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات «فجأة» في مقر الحادث وهو مكلوم من شدة الحزن وأمطار الدموع تغطي عينيه.
يومها فوجئ نزار بالرئيس الراحل وهو يصرخ بصوت متهدج، «أين أنت يا بلقيس؟»، «أين أنت يا ابنتي؟»، «ردي على أبيك يا وردة الثورة الفلسطينية؟»، ووسط حزنه أخذ يفكر نزار «هل من الممكن أن تكون زوجته العراقية التي التقاها منذ 12 عامًا وأنجب منها زينب وعمر نجلة عرفات؟ لم يكن يعرف أن لياسر عرفات ابنة اسمها بلقيس؛ فليس في حياته ما يشير إلى ذلك، بل ليس في تاريخه ما يشير إلى أنه تزوج ذات يوم غير القضية الفلسطينية».
وأكد أن الزعيم الفلسطيني بعد أن قضى 15 يومًا تحت الأنقاض يبحث عن «ابنته بلقيس» ثم بقي بعد دفنها يعاود والدتها ويقدم لها الطعام والدواء محاولًا التخفيف عنها طوال 40 يومًا، جلس إلى نزار قباني ليشرح له السر الذي أخفته بلقيس منذ اليوم الأول لزواجهما.
ويروي نزار كاشفًا سر زوجته الراحلة، «عندما رجعنا من الجنازة إلى مكتب أبي عمار، بدأ اللغز يتكشف، قال، «في عام 1968 وكنا خارجين من معركة «الكرامة»، جاءتني في الأردن فتاة عراقية فارعة القامة، تجر وراءها ضفيرتين ذهبيتين، وطلبت مع زميلاتها في الثانوية تدريبهن على حمل السلاح، وقبولهن مقاتلات في صفوف الثورة الفلسطينية، وبالفعل أعطينا الفتيات العراقيات، ومن بينهن بلقيس، بنادق وأخذناهن إلى ساحة الرمي حيث تعلمن إطلاق الرصاص، وأساليب القتال».
واستكمل، «ثم دارت الأيام وانتقل النضال إلى لبنان، كما كتب لبلقيس أن تعمل في سفارة العراق في بيروت، وذات يوم وبينما كان عرفات مدعوًا للعشاء لدى أحد الأصدقاء، فإذا بالفتاة العراقية ذات الضفيرتين الذهبيتين قبل عشر سنوات تدخل ومعها ذكريات نصرنا الجميل في «الكرامة» وتصافحه بحماسة، ولم تكن تلك الفتاة سوى زوجتك «بلقيس الراوي».
وتابع، "تم تشييع بلقيس كمناضلة فلسطينية، ودفنها إلى جانب الشهداء الفلسطينيين، ولفها بالعلمين العراقي والفلسطيني؛ تكريمًا للأرض التي أخرجتها وللثورة التي نذرت نفسها لها، واختتم عرفات، «بلقيس الراوي لم تكن زوجتك فقط يا نزار، بقدر ما كانت ابنة الثورة الفلسطينية».
15 عاماً مضت.. ولا تزال المرأة الفلسطينية تفتقد من ناضل من أجل كرامتها، ودافع عن حقوقها.. فتحية للقائد الخالد أبوعمار في كل وقت وحين.