- مراسل الكوفية: قصف مدفعي عنيف يستهدف غربي النصيرات
غزة – محمد جودة: منح الشهيد الخالد ياسر عرفات قيمة كبيرة للأسير الفلسطيني، وكان الخالد يفتخر بالأسرى ويتواصل بشتى الطرق، حيث كان الشهيد عرفات يعتبر الأسرى جيش الثورة الفلسطينية في قلاع سجون الاحتلال الإسرائيلي، فالحركة الأسيرة كانت في نظر الخالد هي "حصان طروادة المنظم والمتماسك الذي حول المعتقلات إلى دولة داخل أسوار العدو، وساحات السجون إلى ساحات مواجهة وتحدٍ لقمع وإذلال سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ولسياسات سحق الهوية النضالية والإنسانية للمعتقلين.
لا يزال الشهيد الراحل أبو عمار يمثل نبوءة الأسرى ويقينهم بالنصر المؤكد، وبالحرية التي تبزغ مع مطلع الفجر، لأن هذه الثورة كما قال الزعيم "وجدت لتنتصر طال الزمن أم قصر، وإنه سيأتي ذلك اليوم الذي يرفع فيه شبل من أشبال فلسطين علم فلسطين فوق كنائس القدس ومآذن القدس وأسوار القدس الشريف".
روح أبو عمار كانت تحلق في حياة الأسرى ومسيرتهم
لقد كانت روح الشهيد ياسر عرفات تحلق في حياة الأسرى، حيث كان بالنسبة لهم أبا بكل ما تعني الكلمة، ورمزا ومرجعية، ينتظرون خطاباته ويهرّبون رسائله وكلماته، يحفظونها عن ظهر قلب، ويتم تعميمها على كافة الأسرى، لتشكل مرجعا سياسيا وتنظيما وحافزا معنويا لهم.
اعتمد أبو عمار تجربة الأسرى التنظيمية والوطنية وما يصدر من قرارات ومواقف عنهم كقاعدة من أسس العمل السياسي والنضالي والتنظيمي ضد الاحتلال، وفي عمليات وآلات البناء الداخلي في التصدي للآلة العسكرية الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية.
كان أبو عمار يعتمد قرارات ومواقف الأسرى وملاحظاتهم في المجالس الوطنية والمؤتمرات الحركية المتعاقبة، وقام بقراءة رسائل الأسرى في أكثر من مؤتمر، واعتبر الأسرى قطاعا تنظيميا، وساحة من ساحات العمل الكفاحي الفلسطيني، حيث كانوا حاضرين في الرؤية والموقف الفلسطيني دائما.
سند حقيقي للأسرى والمحررين وعوائلهم
من جهته قال عضو المجلس الوطني الفلسطيني والمختص بشؤون الأسرى، عبد الناصر فروانة، مع حلول الذكرى الـ15 لرحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، لقد كان "أبو عمار" كان سنداً حقيقياً للأسرى والمحررين وعوائلهم، وشكّل لهم رمزاً تاريخياً عظيماً، وكان عنواناً للصمود والعزيمة، ومبعثاً للأمل والتفاؤل، فسكن قلوبهم وعقولهم، ليبقى إرثاً حياً في وجدانهم، وتاريخاً محفوراً عميقاً في ذاكرتهم، واسماً حاضراً دوماً وأبدا بينهم، وسيبقى في ذاكرتهم وذاكرة الأجيال المتعاقبة يذكره التاريخ بفخرٍ أبد الدهر. لهذا يحرص الأسرى على إحياء ذكراه كل عام داخل السجون وخارجها، وفاء لمسيرته وفخرا بتاريخه وتقديرا لما قدمه لهم.
علاقة الأب بأبنائه
وأضاف فروانة لــ"الكوفية"، أن العلاقة التي كانت تربط الشهيد "أبو عمار" بالأسرى والمحررين، لم تكن مجرد علاقة مسؤول بمرؤوسيه، أو قائد بجنوده، فحسب، وإنما هي علاقة الأب بأبنائه، فهو من وصفهم في محافل عدة بأنهم خيرة أبناء الشعب الفلسطيني. فكان وفياً لقضيتهم وصادقا معهم وسخيا في دعمه لهم، ومتابعا لتفاصيل حياتهم وعلى تواصل دائم بهم، وحرص دوما على أن تبقى قضيتهم حاضرة وحية في كل الأوقات والمناسبات، وضمن الخطابات الشعبية والرسمية، وموجودة على أجندة اللقاءات العربية والدولية، وكثير ما أصر على إدراجها ضمن لقاءاته مع زعماء العالم، واصطحب معه مرارا أبناء الأسرى خلال لقاءاته مع شخصيات عربية ودولية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، لقاؤه بالرئيس الأمريكي بيل كلينتون، والرئيس الفرنسي جاك شيراك، وبابا الفاتيكان يوحنا بولس وغيرهم.
وزارة خاصة للأسرى بتعليمات أبو عمار
وتابع فروانة، ما من مرة طلب فيها أهالي الأسرى مقابلته واعتذر، وذات مرة غضب من كل الوزراء وطلب منهم الانصراف، فإذا به ينادي على هشام عبد الرازق، وسأله: لماذا ذهبت؟
فأجاب: أنت من قلت لنا انصرفوا.
فقال أبو عمار: كلهم يغادروا أما أنت فلا، تعال وحدثني عن أخبار الأسرى، احكِ لي عن أوضاعهم وظروفهم.
وأضاف، أن "أبو عمار" أصدر في السابع من أغسطس/آب عام 1998 قرارا يقضي بتشكيل وزارة شؤون الأسرى والمحررين، التي شَّكلت سابقة هي الأولى من نوعها على المستويين العربي والإسلامي، ليؤسس بذلك لمرحلة جديدة في التعامل مع قضية الأسرى، ويُحدث تغييرا جوهريا في طبيعة ومستوى الخدمات المقدمة لهذه الشريحة المناضلة، وزار ذات مرة مبنى الوزارة والتقى بالعاملين فيها واهتم بإبداعات الأسرى وأعمالهم اليدوية واشاد بنضالاتهم.
الأسرى جنود للثورة برتب عسكرية
وأوضح الأسير المحرر عضو المجلس الوطني، أن "أبو عمار هو أول من اعتبر الأسرى جنودًا، وأن رواتبهم يتم التعامل معها حسب رتبهم العسكرية، بالإضافة إلى قراراته باستيعاب الأسرى المحررين في القطاع العام "المدني والعسكري"، واحتساب سنوات الاعتقال كسنوات خدمة فعلية، مما قاد إلى إحداث نقلة نوعية في مكانة وحضور قضية الأسرى والمحررين على المستويين الوطني والسياسي، كما ولا ننسى دعمه لنضالات الأسرى وإضراباتهم عن الطعام، ونذكر هنا زيارته لخيمة الأسرى المحررين المضربين عن الطعام في غزة تضامنا مع إضراب الأسرى في السجون.
أسس ثقافة خطف الجنود الإسرائيليين لمبادلتهم مع الأسرى
وأكد فروانة، أن أبو عمار، هو "أول من أسس ثقافة أسر وخطف جنود الاحتلال لمبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين، فنجح مرارا في تحقيق ذلك، وأشرف على إنجاز العديد من صفقات التبادل والتي كان أضخمها عام 1983، كما وأصرّ على إطلاق سراح الأسرى في إطار "العملية السلمية" التي انطلقت عقب اتفاق "أوسلو" عام 1993، فنجح في انتزاع حرية الآلاف منهم، فأجاد "أبو عمار" وبامتياز فن المزاوجة ما بين "المقاومة والعملية السلمية"، وتمكن من الافراج عن قرابة 16 ألف أسير فلسطيني وعربي عبر صفقات التبادل و"العملية السلمية".
"أبو عمار "يوصي بالأسرى وهو على فراش الموت
وأشار فروانة، لقد قالت لي زوجة الراحل السيدة سهى عرفات، في اتصال هاتفي أجريته معها قبل فترة، "لقد أوصانا (أبو عمار) وهو على فراش الموت بالأسرى وأوصى من كان يقف حوله بهم، وحثّ وزير المالية في الحكومة الفلسطينية آنذاك د. سلام فياض، على مواصلة الاهتمام بهم وصرف مستحقاتهم المالية".
الأسرى يصفعون إسحق رابين.. إذهب لـ"م.ت.ف"
لعلّ التجربة الديمقراطية والثقافية للأسرى الفلسطينيين جعلت من السجون مدارس ثورية، وخرجت الكادر التنظيمي والوطني على مدار عقود من الزمن، كانت اللبنة الأساسية لانتفاضة الشعب الفلسطيني الأولى، وفي التصدي لمخططات عزل منظمة التحرير وإيجاد بدائل لها كروابط القرى والتيارات الأخرى الخارجة عن شرعية القرار الوطني الفلسطيني المستقل.
ومن المواقف الوطنية التي لا يمكن نسيانها، في معتقل النقب عام 1988 عندما زار إسحق رابين السجن والتقى مع الأسرى طالبا التفاوض معهم والبحث عن حل سياسي ولإنهاء الانتفاضة، فرد عليه الأسرى بشكل حازم، "اذهب إلى (م ت ف) وإلى ياسر عرفات، فهو قائد الشعب الفلسطيني ورئيس منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني".
كان أبو عمار يتواصل مع الأسرى داخل السجون بوسائل عديدة، ولعل مفاجأة السلطات الإسرائيلية كانت عندما تحدث الشهيد ياسر عرفات مع الأسرى في سجن جنيد خلال مفاوضات إضراب عام 1992 "بركان أيلول"، دون أن يعرف الإسرائيليون أن الذي تحدث مع الأسرى هو أبو عمار، وانتصر الأسرى في حينها بالإضراب التاريخي الذي شكل مفصلا في حياة الحركة الأسيرة.
رأى الأسرى في أبو عمار "طائر الفينيق" الذي خرج من الموت والحصار أكثر من مرة ليزداد بالقضية الفلسطينية تألقا ووهجا على الصعيد الدولي، ورقما صعبا وضع فلسطين على خريطة العالم اسما وهوية وحضورا وحقوقا.
كان يتقدم الصفوف
لم يكن أبو عمار من القادة الذين يتركون جنودهم خلفهم، كان يتقدم الصفوف، ويعمل بكل ما يستطيع من أجل إنقاذهم وحمايتهم وتحريرهم، نراهم معه وخلفه في جولاته وزياراته، يعطيهم مكانتهم كأسرى حركة تحرر وطني، ويعطيهم مواقعهم التي يستحقونها في كافة المؤسسات المدنية أو العسكرية.
أشرف الشهيد ياسر عرفات على معظم عمليات تبادل الأسرى التي أجرتها م ت ف وحركة فتح مع الجانب الإسرائيلي، تم خلالها إطلاق سراح الآلاف من الأسرى والأسيرات، وكان الأسرى عنوانا وهاجسا يسيطر عليه في صراعه مع الاحتلال، وفي كل المعارك التي قادها خلال مسيرة حياته.
في الذكرى الخامسة عشرة لرحيل مؤسس الهوية الفلسطينية ياسر عرفات، نفتح صفحات عميقة من تاريخه الحافل والأطول والأشمل والأكثر تجذرا في حياة كل فلسطيني، لنجده أبا وإنسانا يحتضن الأسرى المحررين، ويقبّل بنات وأولاد الأسرى، ويلتقي عائلاتهم ويهتف بأسمائهم، ويعطيهم من الحب والدفء ما يعوضهم عن كل الحرمان والخسارة والمعاني الجمة.