- الصليب الأحمر: تصلنا الكثير من طلبات الاستغاثة من المدنيين المحاصرين سواء في أماكن سكنهم أو نزوحهم
- مراسلنا: قصف منزل المواطن عدلي قحمان في بيت لاهيا شارع المنشية شمال قطاع غزة
بعد العاصفة المفاجئة التي هبّت على غزة واندلعت فيها فقتلت المئات، نعت «حماس» عشرات المسؤولين الكبار من كوادرها ومن العاملين في المبادرات الإنسانية. وللمرة المائة أو يزيد أعلن الإسرائيليون أنهم سيتابعون القتل والقتال لإطلاق سراح الأسرى الباقين، ولتحقيق القضاء المبرم على «حماس». وفي الوقت نفسه تتحرك القوات الإسرائيلية في الضفة ضد المخيمات، وهذه المرة ليس بالقتل والتخريب فقط؛ بل وبالتهجير أيضاً وأيضاً.
ولا يقتصر الأمر على التدمير في غزة والضفة، بل هناك الغارات اليومية على سوريا وعلى لبنان، وهناك الهجمة الأميركية على اليمن. وقد تضاءل الكلام عن وقف إطلاق النار، والتهديد بأنه «ما حدّ أحسن من حدّ». وبعد الضربات وخلالها يزعم الإسرائيليون والأميركيون أنهم إنما يستهدفون أذرع إيران، ويوشكون على استهداف إيران نفسها!
لقد كنا نحسب لأول وهلة أن «أميركا ترمب» ستعمل على إحلال السلام؛ ولو كان جائراً ولمصلحة طرف على حساب الآخر... إنما الذي يحدث الآن أن الطرفين ينشران القتل والرعب، وعند كل ضربة إسرائيلية يقول الأميركيون إنهم أذنوا لإسرائيل بذلك، كأنما كانت إسرائيل لا تشن الحرب إلا بإذن الدولة العظمى. قال ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأميركي، إنّ الحروب لن تتوقف حتى تَأمنَ إسرائيل، فمتى تأمن إسرائيل؟
صحيح أن الطرفين يضربان في كل مكانٍ وبذريعةٍ ومن دون ذريعة، لكن ما ردود الأفعال من المستهدَفين؟ قال الحوثيون إنهم يتابعون الضربات ولا يخشون ولا يأبهون للعواصف الأميركية. ولا نعرف ما ردّ فعل «حماس» غير الشكوى من فقدان القيادات. وما عاد «حزب الله» بلبنان معنياً بالرد على الإسرائيليين الذين يهاجمونه يومياً، بل انصرف لمشاكسة السلطات الجديدة في سوريا على الحدود مع لبنان. لقد ساعدوا في الأسبوع الماضي بالسلاح الذي خزّنوه في سوريا في اضطرابات الساحل السوري ضد السلطة الجديدة. لكنهم الآن يحاولون سحب السلاح من سوريا إلى لبنان فيشتبكون مع قوات أمن السلطات الجديدة ويسقط القتلى من الطرفين. ما عادوا يستطيعون الحركة في جنوب لبنان، فيتحركون على الحدود مع سوريا، ويدعمون بقايا النظام في الساحل وحمص، ويضغطون على الجيش اللبناني في الجنوب وفي الشرق بحجة أنه هو المسؤول عن السيادة! ويعلنون سرورهم عندما يقول رئيس الجمهورية اللبنانية، جوزيف عون، إنه أمر الجيش بالرد على مصادر النيران ليس من إسرائيل؛ بل من سوريا، وهم الذين بادروا إلى التحرش بالسوريين. وإلى تحرشات «حزب الله» وعشائره ومهرّبيه، استطاع الإسرائيليون اختراق دروز الجولان والحدود عبر رجال الدين الذين اشتاقوا فجأةً لزيارة أماكنهم المقدسة في فلسطين المحتلة. وهم لا يسالمون سلطة أحمد الشرع، بينما يُسَرُّون لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بحمايتهم! إنما ممن؟ وسلطات سوريا الجديدة لا تتعرض لهم. تقول دول الاتحاد الأوروبي التي اجتمعت في بروكسل إنّ سوريا تعاني من أصعب المشكلات الإنسانية على الإطلاق وإنها ستساعدها، لكنها تريد أن يحافظ السوريون على حقوق الأقليات؛ وبينهم العلويون والأكراد! وبعد اتفاقٍ أوليٍ للأكراد مع الشرع عادوا للشكوى من الإعلان الدستوري الجديد الذي لم يحفظ حقوقهم، التي لا تنساها إسرائيل أيضاً! إنّ الواضح أنّ إيران و«الحزب» المسلح بلبنان وشيعة إيران في العراق... كلُّ هؤلاء لا ينظرون إلى السلطات السورية الجديدة بعيون الرضا، ومعهم إسرائيل التي تلتمس موافقة أميركا على تقسيم سوريا إلى دويلاتٍ طائفية.
ولذلك لم يعد السؤال الآن متى تأمن إسرائيل فقط، بل: ومتى تأمن إيران؟ إسرائيل لن تأمن إلا بتفكيك لبنان وسوريا والعراق لكي تصبح الساحة من حولها فارغة، وإن كان مَثَلُ «حماس» في غزة يشير إلى أن ذلك غير ممكن.
أما إيران، فإنّ النووي يعدّ حزام الأمان لها منذ عام 2004. وقد كانت أذرُعُها هي خط الدفاع الأول، أو هي أمنها الاستراتيجي. بيد أنّ تلك الأذرع التي تهدد إسرائيل ما عادت تستطيع ذلك، وقد ارتدّت للدواخل تهدّد بسلاحها أمن الدول وسيادتها واستقرارها. ولن يتغير الأمر حتى لو ضرب الأميركيون إيران، وهو غير مرجَّح؛ إذ إنّ الميليشيات ستظل تتحرك بالدواخل، وستظل إسرائيل حاضرة، وتقع كل الضربات على الدول الثلاث، التي تقع بين إسرائيل والميليشيات والدعاوى الإيرانية.
السؤالان الآن هما: متى تعدّ إسرائيل أن أمنها صار متحققاً؟ وما مآلات سياسات ترمب لإنهاء الحروب؟ إسرائيل واضحة في هذا الصدد: الأمن لا يتحقق حالاً إلا بالقضاء على القدرات العسكرية لسائر الخصوم. أما في الاستراتيجيات المستقبلية، فلا بد من تفكيك الدول من حول الكيان، وهو الأمر الذي لم توافق عليه «أميركا ترمب» حتى الآن. أما سياسات ترمب فتزعم أن مصالح أميركا الاستراتيجية وأمنها أعمّ من طموحات إسرائيل. بيد أن حربها الحالية على اليمن تُشعر بأن الحروب تدخل في السياسات السلمية المدّعاة أيضاً.
لا يفكر الأميركيون كثيراً في ردود الأفعال بوصف قوتهم هي المطلقة. كما أنهم لا يقلقون لتناقض الأقوال مع الأفعال؛ فلا أحد يستطيع مساءلتهم أو محاسبتهم. وفي النهاية: متى تأمن إسرائيل، وما حدود عقيدة ترمب: «أميركا أولاً؟».