- الإعلام العبري: بدء جلسة الحكومة الإسرائيلية لإقالة رئيس الشاباك رونين بار
- حماس: المفاوضات مستمرة والإدارة الأمريكية أكثر جهة تدرك مرونة حماس في المفاوضات
- مظاهرات حاشدة في القدس المحتلة ضد حكومة نتنياهو احتجاجا على إقالة رئيس الشاباك
رغم أن موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب وسياساته تجاه التخلص من عبء الشراكة الوثيقة مع أوروبا ليست بالجديدة، فقد كشف عنها خلال ولايته السابقة وقبل ذلك أيضاً، إلا أنها تطرح اليوم بشكل جدي تساؤلاً متداولاً حول مستقبل هذه العلاقة التاريخية والاستراتيجية العميقة والنادرة. هناك العديد من الأسباب والمبررات التي تفسر عمق وجذور وقوة هذه العلاقة، إلا أن هناك ما يشير أيضاً إلى وجود توجه أميركي سابق على سياسات ترامب، للتحرر من أعباء تلك العلاقة. وقد حفزت تصريحات وسياسات ترامب الأخيرة الأوروبيين لرسم واتباع سياسات أكثر تحرراً عن واشنطن، ولكن يبقى السؤال حول مدى إمكانية نجاح الأوروبيين في تحقيق ذلك، في ظل معطيات تحكم طبيعة العلاقة الأميركية الأوروبية، وحدود القدرة الأوروبية للتحرر من أعباء تلك العلاقة.
لم ينسق ترامب مع أوكرانيا والأوروبيين اتصالاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوقف الحرب في أوكرانيا، وضغط على الرئيس الأوكراني لتقديم تنازلات في سبيل ذلك، مستخدماً التهديد والضغط بقطع المساعدات والدعم عنها، والذي يعني هزيمتها أمام روسيا. وفرض ترامب رسوم جمركية حمائية على أوروبا، سواء خلال ولايته الأولى أو الحالية. فوضعت إدارته رسوماً جمركية بنسبة ٢٥ في المائة على الصلب والألمنيوم خلال الشهر الجاري، وعلى منتجات السيارات وأشباه الموصلات والأدوية مطلع الشهر القادم، وهناك رسوم أخرى أيضاً، الأمر الذي سيكبد أوروبا خسائر بمليارات الدولارات. في المقابل ردت أوروبا بإجراءات مشابهة سواء بشكل جماعي، فأعلنت المفوضية الأوروبية عن فرض رسوم قوية ومتناسبة على الولايات المتحدة مطلع الشهر القادم، بينما أعلنت، على سبيل المثال، فرنسا وألمانيا، التي تواجه الركود للعام الثالث على التوالي، اجراءات حمائية فردية للرد على سياسة واشنطن، الأمر الذي يفسر تأجج الحرب التجارية المشتعلة بين الحلفاء التقليديين اليوم.
لم يُخفِ ترامب عدم رضاه عن الوزن الاقتصادي الأوروبي، الذي أصبح يقترب من وزن الاقتصاد الأميركي، والذي يسمح لأوروبا من خلال المبادلات التجارية بتحقيق فائض مقارنة بالولايات المتحدة، لارتفاع حجم صادراتها إلى الولايات المتحدة، مقارنة بصادرات الأخيرة لأوروبا. وقد ترتبط تلك النتيجة بتوجهات الرئيس السابق جو بايدن، الذي قاد الحرب ضد روسيا، من خلال حشد حلفائه الأوروبيين خلفه، بعد تطور العلاقات الاقتصادية الروسية الأوروبية بشكل لم ترض عنه واشنطن.
وتؤكد القرارات والسياسات الأميركية على توجه الرئيس ترامب للحد من التزامه في إطار حلف الناتو ومبدأ "الدفاع المشترك"، حيث أعلن عن نيته بناء "قبة حديدية" لحماية الأراضي الأميركية بعيداً عن الجناح الأوروبي في حلف شمال الأطلسي "الناتو". ويعتقد صانعو السياسة في أوروبا أن ذلك المخطط قد يكون مقدمة لانسحاب واشنطن من الناتو، وربما مقدمة لسحب نحو ١٠٠ ألف جندي أميركي من أوروبا. وحسب مفكر العلاقات الدولية ستيفن والت فإن الدول الأوروبية تعتقد اليوم أن ترامب يتجاهلها ويراهن على علاقته مع روسيا.
لم يكن ترامب أول من دشن نهج الحد من الاعتماد الأوروبي على الولايات المتحدة، فقط أكد الكونغرس في تصويتٍ أجري في العام ٢٠٠٠ على ضرورة عدم اعتبار أوروبا الشراكة العسكرية والاقتصادية مع الولايات المتحدة طويلة الأمد أمراً مُسلَّماً به. ودعا الرئيس باراك أوباما في العام ٢٠١١ الأوروبيين للاعتماد على أنفسهم في الدفاع عن بلدانهم، في ظل استراتيجية بلاده بالاستدارة نحو آسيا. وفي العام ٢٠١٤، دعا أوباما لضرورة وضع حد للميزانية الدفاعية الكبيرة التي تخصص للدفاع عن أوروبا. وفي عام ٢٠١٧، دعا وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس الحلفاء في الناتو لتبني استراتيجيات لزيادة إنفاقهم العسكري، في ظل التوجه الأميركي بتخفيف التزامها تجاه التحالف.
لم تخف الولايات المتحدة رغبتها في تخفيف حدة ارتباطاتها بأوروبا، لكن دون خسارة التحالف معها، كما تبنت أوروبا سياسات لم تنسجم دائماً مع سياسات واشنطن، في الماضي والحاضر، الا أن ذلك لم يتخط الخطوط الحمراء في العلاقة بين الطرفين، فهل يتخطاها اليوم؟ هناك حالة من تقسيم الأدوار تحكم العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين على جانبي الأطلسي، لتحقيق المصلحة المشتركة في تعزيز المنظومة الغربية للطرفين، لمواجهة القوى المعادية لكليهما. وتقوم العلاقة الأوروبية الأميركية على أساس روابط حضارية وثقافية ودينية عميقة تجمعهما. وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت تتشكل تلك الشراكة النوعية العميقة، من خلال إطلاق مشروع مارشال الاقتصادي عام ١٩٤٧، لإعادة إعمار القارة العجوز بعد ويلات الحرب، وبإنشاء حلف الناتو الأمني في العام ١٩٤٩ لتأسيس درع عسكري رادع من تمدد الخطر السوفياتي. بعد انتهاء الحرب الباردة قبل الحليف الأوروبي بدوره كداعم وسند استراتيجي للقطب العالمي الأوحد الأميركي، فشكلت أوروبا عمقا استراتيجيا لواشنطن، يضمن بقاءها في صدارة العالم. وحافظت تلك المعطيات على المعادلة السياسية والاقتصادية والقانونية الدولية الغربية، بالموازنة بين القوة الناعمة الأوروبية والقوة الخشنة الأميركية.
دفعت الحرب بين أوكرانيا وروسيا الدول الأوروبية إلى زيادة الإنفاق العسكري والاعتماد بشكل أكبر على نفسها، في ظل عقود من التبعية الأمنية والعسكرية لواشنطن. فكانت واشنطن تساهم بأكثر من ٧٠% من موازنة الناتو. وطالما دعت الولايات المتحدة لتحقيق تلك المقاربة، داعية لاعتماد أوروبا على نفسها عسكرياً. وفي العام الماضي، عزز الناتو إنفاقه العسكري ليصل إلى ٥٥ % من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، ورفعت عشرون دولة من الدول الأعضاء في الناتو البالغ عددها 32 دولة إنفاقها بنسبة 2٪ على الأقل من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع الوطني. قبل عقد من الزمان، وصلت ثلاث دول فقط إلى ذلك المستوى. وتساهم الولايات المتحدة حاليًا بـ ٢٢% من ميزانية الناتو، وتقترب منها المانيا بنسبة تخطت الـ ١٤ %، في تطور نوعي، ويدعو ترامب اليوم حلفاءه لرفع مساهمتها في ميزانية الناتو لـ ٥ %، الأمر الذي سيخفف العبء عن واشنطن بشكل أكبر.
يشير تحليل التفاعلات والتحركات الأوروبية إلى وجود إرادة سياسية لبناء مسار جديد يقوم على الاستقلال الاستراتيجي، وهو ما تريد واشنطن تحقيقه في الأساس، ويعود في مصلحة أوروبا. وتظهر بروكسل حالياً التزامها بتنويع العلاقات التجارية مع جهات مختلفة من العالم في أميركا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط. وأعلنت أوروبا عن فرض رسوم جمركية على الواردات الأميركية لأوروبا، كإجراء مضاد للرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن على صادراتها للولايات المتحدة، الأمر الذي يعزز مكانتها السياسية والاقتصادية، ويكلف الولايات المتحدة تكلفة تكاد تقترب من التكلفة التي ستتحملها كنتيجة على سياسات واشنطن.
إلا أن ردود الفعل الأوروبية حول دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لعقد قمة طارئة لزعماء القارة في باريس، منتصف الشهر الماضي، لبحث دعوة ترامب الأخيرة لوقف الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي انتهت بانقسام حاد في المواقف حول إنهاء الحرب وإرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا، تعكس طبيعة العوامل المؤثرة على القرار الأوروبي الموحد حول الاستقلال التام عن السياسة الأميركية أو لمواجهة الاستراتيجيات الأميركية. فالحاجة للإجماع في القضايا السياسية الكبرى في الاتحاد تمنع الخروج بقرار أوروبي موحد، بعيدا عن واشنطن، لتباين مصالح وحدود علاقة الدول الأعضاء مع واشنطن، خصوصا في ظل تنافس العلاقات وتناقضها أحياناً أيضا بين الدول الأعضاء، في ظل تقاطع المصالح والأهداف الأميركية الأوروبية عموماً. وخلاصة القول، رغم ذلك التحول الواضح في الموقف الأميركي والأوروبي في العلاقات المتبادلة بين الطرفين، إلا أنها لم تنضج بعد لتحقق أوروبا الاستقلال التام عن سياسات واشنطن، في ظل تقاطع المقاربات والمناهج الأميركية الأوروبية عموماً، والقيود التي تحيط باتخاذ قرار أوروبي جماعي موحد، في ظل تباين حدود العلاقات الفردية لدول أوروبا مع الولايات المتحدة.