في تصريح يمثل "قنبلة سياسية"، أعلن رئيس أركان جيش الاحتلال (المستقيل) هرتسي هاليفي، "أن سكان قطاع غزة يمكنهم الخروج من معبر رفح إلى مصر، ولكن في اتجاه واحد فقط ولن يتمكنوا من العودة إلى غزة، وسيقوم الشاباك بمراقبة دقيقة بالكاميرات للحركة على المعبر".
تصريح هاليفي "القنبلة" جاء خلال جلسة سرية لأحد لجان كنيست دولة العدو الاقتلاعي (الخارجية والأمن) يوم الثلاثاء 28 يناير 2025، دون تفاصيل واضحة، لكن الكلام بدأ وكأنه قطعي، مستفيدا من صفقة الدوحة لوقف الحرب في قطاع غزة.
"قنبلة هاليفي"، مرت مرورا عابرا وسط "معارك من سيحكم غزة" بين طرفي "النكبة الوطنية"، رغم الخطر المباشر للتصريح مضمونا وتوقيتا، من حيث استغلال الكارثة الكبرى التي أصابت القطاع وتصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تطهير غزة، بتهجير ما يقارب 60 % من أهلها.
مبدئيا، على حركة حماس بصفتها الطرف الفلسطيني الذي تفاوض مع دولة العدو، كشف مجمل "الملاحق الخاصة" بصفقة الدوحة، أي كانت طبيعتها، إلى جانب الاتفاق حول آلية العمل على معبر رفح، خروجا ودخولا، و"الفيتو" الذي منح لجهاز أمن الكيان، حدوده وقيوده، أو شيك مفتوح.
حركة حماس، مطالبة بتقديم توضيح كامل حول البند الخاص بخروج عدد غير محدد من مسلحيها الجرحى ومرافقيهم (3 كحد أدنى بموافقة الشاباك)، العدد الشامل المتفق عليه، وهل هناك ضمانات واضحة في الاتفاق لعودتهم، أو هو خروج في اتجاه واحد.
مطلوب من الأطراف التي وقعت صفقة الدوحة، بصفتها الضامنة، نشر تفاصيل الاتفاق وملحقاته وأي بنود خاصة، سواء كانت عبر "تفاهمات غير نصة أو برتوكول وضع كوديعة لدى أحدها"، وتوضيح آلية العمل على معبر رفح، وما هي "الضمانات" الخاصة حول عودة الراغبين بالسفر والعودة، وأيضا بعودة أبناء قطاع غزة ممن خرجوا خلال حرب النكبة الكبرى أو قبلها.
تصريح هاليفي، أمام اختبار مباشر من قبل موقعي صفقة الدوحة حول وقف حرب قطاع غزة، خاصة وأن مشروع ترامب التهجيري قد يستغل تلك "الثغرة" لفتح باب "التهجير الطوعي"، إلى جانب ما أسموه "التهجير الإنساني".
تصريح هاليفي، لم يأت من باب "العبثية السياسية"، فهو على رتبة عسكرية قادت حركة النكبة الكبرى، لم يتحدث كثيرا عن اليوم التالي لحرب التدمير في قطاع غزة، كما أن أقواله داخل لجنة لها أهمية أمنية – سياسية خاصة في الكنيست، لذا يجب التعامل مع تلك الأقوال باهتمام كامل، كي لا تتحول إلى "آلية تنفيذ مشروع ترامب التطهيري".
الحديث عن "التهجير الطوعي" و كذا "التهجير الإنساني"، ليس مفاجئا أبدا، فقد بدأ تناوله داخل أوساط دولة الكيان خلال الحرب العدوانية على قطاع غزة، وقبل أن يتقدم ترامب بمشروعه "التوطيني المستحدث" لمشاريع صهيونية قديمة، ابرزها مشروع جونستون عام 1955، والذي تم قبره بأقدام أهل القطاع من خلال مظاهرات لا يزال قول شاعرها الكبير معين بسيسو يتردد (لا توطين ولا إسكان ..يا عملاء الأمريكان).
آليات تنفيذ مشاريع التهجير" بشكليها "التطوعي" و "الإنساني" لن تحتاج لبيانات أو عروض إعلامية، يكفي لها فتح المعبر للخروج بحثا عن وقت راحة من "شم رائحة الموت" المنتشرة في كل زاوية داخل قطاع غزة، أو الخروج بحثا عن فرص عمل أو علاج، وأشكال سفر أخرى لا تنتهي.
لن يكون مفاجئا أبدا، العودة لتشغيل "رصيف غزة البحري" بعد ترميمه وربطه بميناء أسدود ليكون نافذة حركة أهل قطاع غزة للسفر، وهو خارج أي سيطرة أمنية محلية، بل لم يتم الحديث عنه في صفقة الدوحة.
الطريقة "الفصائلية المستخفة" في التعامل مع مخاطر المشاريع التهجيرية، بالارتكان على "مخزون الوطنية" للشعب الفلسطيني عامة وأهل قطاع غزة خاصة فقط، ليس سوى حماقة وطنية كبرى، لا ترى واقع النكبة الأكبر منذ 1948 وآثارها، ولا تسمع صرخات المتضررين منها، وما يمكن أن تخلقه من "وقائع انقلابية".
دون الانتفاض العام لمواجهة مخطط التهجير القادم، برؤية بعيدة عن "الشعاراتية الفارغة" و "حفلات الرقص على جثة قطاع غزة"، والتخلي كليا عما كان مواقف ساذجة، فقطار التهجير سينطلق بسرعة تفوق قدرة "بقايا المكونات السياسية" على التفكير.