- الهلال الاحمر : طواقمنا تتعامل مع ١٤ اصابة في بيتونيا بالقرب من سجن عوفر
إذا أردنا أن نحدد أهداف تشكيل الأحزاب في العالم، علينا أولاً أن نعود إلى اكتشاف الغاية من تأسيس الأحزاب، ولعل أبرز مثال على الهدف الرئيس من تشكيل الأحزاب، هو إيقاظ الحكومة حين تغفو، وحين تقصر في أداء واجبها، هذه الأحزاب التي تلدغ المسؤول الحكومي النائم ليستيقظ سميت هذه الأحزاب (أحزاب الذبابة)!
بالطبع هناك فرق كبير بين هذه الأحزاب وبين الأحزاب التي تضحي بمواطنيها وبذريتهم وبيوتهم وكل ما يملكون، ولا تكتفي بذلك، بل تعتبر هذه الخسارة تكتيكاً للوصول إلى السلطة، كما يحدث في كثير من الدول النائمة أو النامية!
إن أبرز أهداف الأحزاب الوطنية التي فهمت الغاية من تأسيس الأحزاب كأحزاب الذبابة، هو السعي لتحقيق التوعية والتثقيف، وهذا المبدأ هو أهم مبادئ أحزاب الذبابة، لأن التوعية والتثقيف أهم أركان المجتمعات، فهي السبب الرئيس في النهضة والتفوق والمنافسة على المستقبل في كل المجالات، كما أن أهم ركن في تحقيق التفوق يبدأ من برامج التعليم في كل المؤسسات التعليمية!
مع العلم أن تشكيل وإعادة صياغة الرأي العام هو هدفٌ آخر من أهداف حزب الذبابة الوطني، وهو في الوقت نفسه أبرز نتائج التوعية والتثقيف، لأنه يسعى لتحقيق هدف التوعية والتثقيف كغاية سامية أخرى، وهي اكتشاف المواهب في المجتمع وتسهيل ظروف الإبداع لهذه العقول، وهذا ما فعله الفلاسفة الأولون مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو حين قرروا أن يتولوا إيقاظ الغافلين باستخدام الأفكار الجديدة المبدعة حتى يتجنبوا الأصوليات الفكرية التي تسبك عقول البشر كلهم في سبيكة عقلية حجرية تقليدية!
مع العلم أن الأحزاب الدينية لا تنجح أبداً في إدارة شؤون البلاد، فهي بمثابة الواعظ الديني الذي يُبدع لفظياً وهو يقف على منبر الخطابة، ولكنه يفشل عملياً في إدارة مؤسسة واحدة، لأن الخطابة الأدبية والشعرية وحدها لا تبني الأوطان.
سوف أظل أذكر مقررات دراستنا حين كنا في الصفوف الإعدادية، كان معلمونا يَجدُّون في ترقية عقولنا وتثقيفنا، لا بحشوها بالأفكار الجامدة والمحفوظات كما يحدث في مدارسنا اليوم، بل بالفهم والتوعية، وهذا هو جوهر التعليم الحقيقي، وغاية النظام التعليمي والتربوي.
كانوا يختارون لنا ما يُحببنا في المنهاج، وبخاصة في اللغة الإنجليزية، فقد كانوا يختارون لنا الروايات الممتعة، مثل الرواية العالمية الرائعة، (الأرض الطيبة) لبيرل باك، كانت تلك الرواية الراتعة ضمن مقرراتنا في المرحلة الإعدادية، مع العلم أن الكاتبة، بيرل باك حاصلة على جائزة نوبل في الأدب العام 1938، هي كاتبة أميركية توفيت العام 1973 عاشت أكثر من نصف حياتها في الصين، وصفت لنا المجتمع الصيني وصفاً دقيقاً، كنت أشعر وأنا أقرأ القصة أنني جزء منها، وكأنني أعيش في الصين منذ سنوات طويلة، عرفت شوارعها وعاداتها!
كذلك كانت مقرراتنا تضم أجزاءً من الرواية العالمية الممتعة، (ثلاثة رجال في قارب) للروائي، جيروم سيغال جيروم!
كذلك رواية (رحلات جليفر) لجونثان سويفت، وهو الكاتب الإيرلندي الرائع المولود 1667 والمتوفى 1745 والتي لا تزال بعضُ قصصها الخيالية عالقة في ذهني حتى اليوم.
قررتُ أن أُعيد قراءتها من جديد، كنتُ أعلم أن كاتبها، جونثان سويفت، المولود في دبلن بإيرلندا، كان مريضاً، مصاباً بالتهاب الأذن والعين، حتى أن عينه تكوَّرت، وخرجت من محجرها كبيضة، وكان هو على مشارف الجنون، وكانت أسرته تراقبه باستمرار حتى لا يؤذي نفسه، فيقوم بقلع العين بإصبعيه! جونثان سويفت، المبدع المجنون.
شخصية بطل الرواية طبيبٌ عاش حياتين متناقضتين، ألقته الأمواج بعد أن تحطمت سفينته، مرة في شواطئ بلاد الأقزام، حيث متوسط طول الفرد خمسة عشر سنتمتراً، ومرة أخرى ألقته الأمواج على شواطئ بلاد العمالقة، فشوقنا وهو يصف الشاطئين، فجرب أن يكون عملاقاً تارة، وقزماً تارة أخرى!
عثرتُ في الرواية بعد قراءة جديدة على نصٍ ساخرٍ رائع، لم أكن قد أوليته أهمية في مرحلة دراستي الأولى، ولم يُشر إليه مدرسونا، لأننا لم نكن وقتها نعاني من (مرض الأحزاب)!
في هذا النص وصفة طبية ساخرة، لإشفاء رجال الأحزاب السياسيين من (داء الحزبية) أو مرض التحزُّب! فهو يقول: «هناك وصفة طبية لإشفاء رجال الأحزاب من مرض الحزبية، وهي علينا جمع مائة من رجال كل حزب، ونقيس حجم رؤوسهم، ثم يُقسَّم المتشابهون في حجم الرؤوس، كلُّ زوجٍ على حدة، ثم يُستعان بجراح ماهر، يقوم بشق رأس كل زوج من الحزبين المتناقضين ويُقسم مخاهما، ثم يجري تبادل أنصاف المخ بين الأحزاب، فيوضع نصفُ كلِّ مخٍ على رأس المنافس الحزبي، وهذا يتطلب دقة فائقة من الجرَّاح، غير أن الشفاءَ مضمونٌ من داء الحزبية، والنتيجة، قاسم مشترك من التفاهم المعقول بين الطرفين»!
ويضيف في قولٍ ساخرٍ آخر: «إن رجال الأحزاب يعتقدون بأنهم أُرسلوا إلى البشرية لمراقبة العالم والتحكم فيه»!
بعد مرور أربعة قرون على رواية الكاتب، فإن جملته التي لم تُثر اهتمامي في الصِّغر، تلخص معظم أفكار الأحزاب المتطرفة في عالم اليوم وهي: «كل رجال الأحزاب يظنون، أنهم أرسلوا للبشرية هداة مبشرين، لذا فإنهم يتصرفون وكأنهم مالكو زمام الكون».
فهل كان جونثان سويفت مصيباً في تشخيص مرض الحزبية المنتشر عندنا، وإيجاد العلاج لهذا المرض؟!.