نقول هذا الكلام لما نراه من عقم وبؤس التفكير الأناني في السلطة والحكم من قبل الكل الفلسطيني الذي يظهر بشكل مخزٍ للتجربة الفلسطينية حين نرى الانشغال بقوة وإصرار في آتون حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني يتصارعون بمجملهم، أي السياسيين الذين يحملون شعار تحرير فلسطين وشعار الدولة وشعارات الديمقراطية والعدالة وهم يتصارعون بشكل انتحاري على السلطة واليوم التالي للحرب بدل التوقف أمام الكارثة وكيف ينقذون شعبهم ويتصارعون على الاعتذار للشعب وكيفية الخروج من الكارثة وتأمين العيش والسكن والصحة والتعليم والنهوض للأجيال القادمة.
والله عيب والدماء تسيل شلالات والبلد التي أصبحت ركام ومآسي العقد النفسية القادمة والذل الكبير الذي حل بالناس من عجزهم عن تامين سبل الطعام والماء والأمان ولملمة اشلاء ذويهم ونتصارع على سلطة ونسرق بعضنا ونحتكر السلع ونرفع الأسعار بدل الشموخ والتحدي والتضامن والرحمة والوحدة في ظل الكارثة فنقول:
تعود حالة العقم السياسي الفلسطيني في الحكم إلى ثلاث عناصر مزمنة أولها حالة الانانية الذاتية وثانيها الفئوية الحزبية وثالثا الفقر المادي للمجتمع وانتهاز السياسيين الفلسطينيين للتكسب والإثراء من المنصب والموقع بعد غزو المال السياسي الأسود لحالنا فأصبحنا توابع أجندات خارجية.
تلك الصفات الثلاث أو الاسباب الثلاث والتي برزت وتشرست على السطح السياسي الفلسطيني ما بعد اوسلو وتشكل سلطة فلسطينية لأول مرة ومحاولة التقرب من ممارسة بعض عناصر الديمقراطية وليست حتى ممارسة الديمقراطية كرزمة واحدة كاملة وجاء هذا بعد تاريخ طويل من عدم تمكن الفلسطينيين من حكم أنفسهم بأنفسهم بعيدا عن الوصايات والاحتلال، ورغم وجود نماذج غير مكتملة للحكم كما كانت تمارس بعض السلطة الإدارية ليست على السكان بل على هياكل تجمعية او مؤسسات تمنح بعض الصلاحيات منذ نكبة ١٩٤٨ وحتى الوصول لأوسلو، وعلى سبيل المثال، كانت بعض الخدمات البلدية والشؤون الاقتصادية كالغرف التجارية وبعض المؤسسات الاهلية وفروع بعض المؤسسات الدولية التي تحوي موظفين فلسطينيين او محليين إداريين كالمؤسسات الصحية والمستشفيات الخاصة والإرساليات، وبعض موظفي قنصليات الدول لاحقا او مراكزها الثقافية، والمؤسسات الرياضية المحلية كالأندية الرياضية والاجتماعية وليس انتهاء بالشركات الخاصة التجارية والعقارية والمصارف والبنوك في فترة لاحقة.
لم يقدم الفلسطينيون نماذجاً ناجحة بالفعل إلا في التجارة الخاصة او القطاع الخاص، ولذلك يجب التوقف عند هذه النقطة والتركيز عليها ونسأل، كيف ينجح الفلسطيني في مشروعه التجاري الخاص ويفشل أو لا يقدم نموذجا مثمرا يشار إليه بالبنان في باقي مؤسسات التشارك او المشاركة او المؤسسات الائتلافية خاصة في الحكم او السلطة الحاكمة كما وضح في مسيرة المؤسسات السياسية الوطنية والنظام السياسي بعد اوسلو.
لا نريد الشرح المطول عن كثير من انواع الفشل منذ النكبة حتى اليوم فهو واضح من نتائج التدهور السريع الذي تواصل سنوات فهذا يحتاج مجلدات تفصيلية لأنه موضوع متشعب في كافة المجالات ويحتاج كل التخصصات والخبراء لتقديم اوراقهم بشان التجربة الماضية، وهنا أتحدث من باب تسليط الضوء على الحالة الفلسطينية من مدخل نقدي بعد هذا الزمن الطويل وتنوع التجارب الفاشلة والتي لا يتطرق الكتاب والبحاث إليها إلا من نافذة الحكم والسلطة فيما بعد اوسلو وبقليل من التحليل الموضوعي والدقيق ويغلب عليه الحزبية والفئوية النقدية والاتهامات السياسية دون توضيح للحقائق ومن باب المناكفات السياسية والصراع على الحكم والسلطة، وتلك طامة كبرى أعاقت اي محاولة للإصلاح لو كانت هناك أصلا محاولات جادة للإصلاح، والتي اتفهم جزئيا غيابها لغياب الحكم او اي سلطة حقيقية للفلسطيني في حكم أنفسهم وشعبهم كما ظهرت تجرية الفشل فاقعة في نموذجي الحكم الاخيرتين من قبل حركة فتح وحركة حماس، هذان النموذجان الفاشلان حتى الآن بكل المقاييس، وما وصلت بنا الحال بسببهما إلى الحضيض بعد الانكشافات الكبيرة على مدار السلطة الكاملة او المنقوصة او النماذج الإدارية في مؤسسات الحكم قبل وبعد اوسلو وصولا للحروب المتعددة السابقة وليس انتهاء بحرب الإبادة لشعب غزة الجارية من قبل الاحتلال الصهيوني، فأسباب الاحتلال ومشاريعه نعرفها، ولكن ما لا أعرفه وأفهمه هي أسباب الفشل الذاتي الفلسطيني والفئوية الحزبية البائسة جدا وفقر المجتمع السياسي والتلهف للمال والانغماس في المال السياسي الاسود المتحكم في مسيرة احزابنا وفصائلنا ومؤسساتنا جميعها وفي أي وظيفة او مهمة أو تكليف، ومحطات الاحتكار واللصوصية والغنى الفاحش دون وجه حق، وصاحب كل ذلك غياب القانون وغياب العدالة، واستمرار مسلكيات المجتمع القبلية والعائلية التي ساهمت ايضا في إعاقة التطور السياسي واكبر الآفات لكل ذلك كان الظلم الاجتماعي الناتج من كل ما سبق ..
نقول هذا ليفهم الجيل والنشيء الجديد الشاب بعد نهاية آخر الحروب الدائرة الآن على غزة والضفة الغربية ما هي اسباب ما حدث ويحدث لكي لا يستمروا على ضلال غياب الحقائق كما سار جيلنا والأجيال التي سبقتنا فكان الفشل وغياب التحرر والاستقلال حتى الآن، فإن لم نكن قد استطعنا ان نحرز لهم الأمان والرفاهية فعلينا ان ننقل لهم بأمانة الحقيقة والتجربة الفاشلة بكل أبعادها.
قد يقول قائل لابد من الكتابة عن الحرب مادامت مستمرة وعن معاناة شعبنا وأهلنا في غزة والضفة وأنا أقول لإدراكي مما عاصرت للحالة الفلسطينية لخمسة عقود أكاد أكون متأكدا بانه لم تحدث مراجعات بعد الحروب السابقة ولن تحدث مرتجعات واستخلاص العبر وفهم الحقائق بعد هذه الحرب الإبادية على غزة ولن يسمح بكشف الحقائق كما كانت الحروب كلها منذ نكبة ١٩٤٨ ولم يعلمنا احد الحقيقة وعوامل واسباب الفشل صراحة فخُدِع الشعب الفلسطيني ولم يعرف ولن يعرف ما حدث ولن يعرف ما يحدث، واقول ايضا نكتب ونكتب ولا يقرا احد وقد لا تنشر مواد الإفادة لشعبنا فمازالت الطوابير الخامسة والسادسة والسابعة تتحكم في مسيرتنا ومصيرنا ويسمعون شعبنا وسيسمعونه التضليل من جديد ومن كل الجوانب وأخشى ألا نتعظ رغم تيقني أننا لن نستخلص العبر ونقدمها للأجيال الجديدة القادمة التي نتمنى ان نخبره حقائق فشلنا بعيدا عن التصليل الفئوي الحزبي والفهلوي والمغلوط ليبقى شعبنا يدور في فلك التضليل لان ما سبق من تضليل وتجهيل بالحقائق هو مهول جدا وإلا لماذا يحدث لنا من دون البشر والشعوب هذا التأخر عن التحرر والاستقلال والديمقراطية وطغيان الظلم الاجتماعي الكبير والمزمن في مجتمعنا.. في النهاية نقول عيب والله عيب ان نتصارع على اليوم التالي والضحايا تحت الركام ما ينبئ بغياب روح المسؤولية يا سياسيي فلسطين فليس مهمة رجال الفكر والكتا نقل الاخبار وتحليها فهذا عما الاعلام والصحفيين أما الكتاب والمفكرين فوظيفتهم نقل الإدراك والحقائق لشعوبهم وللأسف حتى الآن الكتاب والمفكرين ينازعون الصحفيين وظيفتهم وتركوا مسؤولياتهم نحو شعبهم في فلسطين وقد يحاربون من قبل الطوابير الخادعة المتحكمة في إعلامنا.