- استهداف سيارة في منطقة السطر الشرقي بمدينة خان يونس
العاشر من أيار الجاري، وقبل خمسة أيام على ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني، يحقّق الدم الفلسطيني الغزير واحداً من الإنجازات التاريخية التي انتظرها الشعب الفلسطيني منذ أن قرّرت الأمم المتحدة منح دولة فلسطين موقع مراقب العام 2012.
بعد "فيتو" أميركي متكرّر يمنع منح فلسطين مقعداً كاملاً في الأمم المتحدة، رغم موافقة 13 دولة عضواً في مجلس الأمن من بينها 3 دول تملك "حق الفيتو". بعد كلّ ذلك تصوّت الجمعية العامة بأغلبية 143 صوتاً مقابل 9 على التوصية لمجلس الأمن بإعادة النظر إيجاباً في بحث هذه المسألة.
قد لا يكتمل هذا الإنجاز بقرار من مجلس الأمن؛ حيث تقف الولايات المتحدة بالمرصاد لمنع اتخاذه، ولكن ذلك لا يقلل من أهمية الإنجاز الذي سيفتح الباب أمام اعتراف دول من بينها أوروبية بدولة فلسطين.
لم يكن مفاجئاً أن ترفض دولة الاحتلال التصويت على مثل هذا القرار، ولكن ليس إلى حدّ أن يقوم ممثلها الدائم في الأمم المتحدة، جلعاد أردان، بتمزيق ميثاق الأخيرة، أمام أنظار الجميع، في مشهدٍ استفزازي.
موقف أردان ليس شخصياً، ولا هو خارج سياق الموقف والسلوك الإسرائيلي تجاه الأمم المتحدة، مؤسسات وقرارات ومواقف، فلقد دأبت إسرائيل على رفض كلّ ما يصدر عنها، والاستهتار بمؤسسات حقوق الإنسان ومنصّات العدالة الدولية.
تصم إسرائيل آذانها عن كلّ التصريحات والمطالبات والتحذيرات، والقرارات التي تصدر عن مسؤولين أمميّين، فهي إن كانت تفعل ذلك تجاه حليفتها وداعمتها الكبرى الولايات المتحدة، فكيف لها أن تتعامل بمسؤولية وإيجابية تجاه مؤسّسات لا تملك القدرة على الحركة طالما أنّ "الفيتو" الأميركي، والتدخُّل السافر ضاغط على المؤسسات الدُولية لصالح إسرائيل وحمايتها، وإفلاتها من العقاب.
حريّ بالدول التي صوّتت لصالح القرار، أن تصوّت على قرار بطرد دولة الاحتلال من الأمم المتحدة، طالما أنّها تمزّق ميثاقها ولا تعترف بقراراتها، وهي التي حصلت على عضويتها في المؤسسة الدُولية بشرط تنفيذ قرار 181، وعودة اللاجئين الفلسطينيين.
لقد أسقطت إسرائيل شروط انضمامها للأمم المتحدة، وأخيراً أسقطت المؤسسة الدُولية بكاملها من حساباتها، ووجّهت إهانةً علنيةً مباشرة لكلّ أعضائها.
أسباب كثيرة تدعو لاستحسان قرار الطرد، ذلك أنّ دولة الاحتلال كانت قد مزّقت عَبر جرائمها البشعة المتكرّرة كلّ بند من بنود الميثاق، ومزّقت كلّ القوانين الدُولية والإنسانية، ما يعني أنّ الأمر لا يتعلّق بالموقف من فلسطين، وإنّما بالموقف من الأمم المتحدة برمّتها.
يكشف هذا الاستفزاز الإسرائيلي مدى هشاشة النظام العالمي، الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، وتجيّره لصالح سياساتها، وجسامة تهديد السلم والاستقرار العالمي، وتحويل مجلس الأمن ومؤسسات الأمم المتحدة إلى منابر لاستعراض المواقف، من دون القدرة على التأثير حين يكون عليه إنصاف بعض الشعوب المظلومة، وتهدئة نيران تشعلها قوى الظلم.
قرار الجمعية العامة اعتراف صريح، ومتجدّد، بحقوق الشعب الفلسطيني ولكنه، أيضاً، ينطوي على رسالة قوية لإسرائيل التي تواصل إنكارها أيّ حقوق للشعب الفلسطيني، وتشنّ عليه حرب إبادة بشعة، هي من بين الحروب الأبشع في تاريخ البشرية.
لم ترتدع إسرائيل بعد الكثير من التحقيقات التي تدينها بارتكاب جرائم، ولم ترتدع بعد ثلاث وقفات لمحكمة العدل الدولية، اتخذت خلالها إجراءات عاجلة، لم تمتثل لها الدولة العبرية، ولم ترتدع حين علمت قيادتها أنّ المحكمة الجنائية الدولية قد تصدر مذكّرات اعتقال بحقّ عددٍ من المسؤولين الإسرائيليين، ولا هي سترتدع بعد قرار الجمعية العامة.
العالم كلّه في حالة انتفاضة على ما يجري في قطاع غزّة من حرب إبادة جماعية وعدوان غاشم، وحمّام دم، ودمار شامل لكلّ أسباب الحياة، وقد تحوّلت إسرائيل فعلياً إلى دولة منبوذة، ولكن قيادات الحرب لا تفكّر في التوقُّف أو التراجع.
لا يفكّر نتنياهو وزملاؤه في التراجع رغم أنّ كثيراً من داعميه تخلُّوا عنه. ورغم خلافاته المتزايدة مع الإدارة الأميركية التي تشاركه الحرب الإجرامية، ولا يبدي أيّ اهتمام بما يعانيه جو بايدن وإدارته وهو يستعدّ لخوض معركة الرئاسة.
في المشهد، رئيسان لكلّ منهما مصالح شخصية، إذ يرغب بايدن في وقف الحرب الهمجية بالطريقة التي يديرها نتنياهو؛ لترميم أوضاعه الداخلية، وتحسين فرصه الانتخابية، وامتصاص الغضب الداخلي المتزايد الذي يقوده الطلّاب والشباب في المجتمع الأميركي.
وفي المقابل نتنياهو، الذي لا يرى مستقبلاً له إلّا بمواصلة عدوانه وتوسيعه لتحقيق نصر حاسم، يعرف هو وكلّ من يتابع الأحداث أنّه أصبح في حُكم المستحيل.
واضح أنّ نتنياهو باقٍ لفترةٍ أطول من بقاء بايدن، ذلك أنّه يراهن على فشله في الانتخابات، ما سيفتح صفحة أفضل مع ترامب الذي يشبهه.
يرفض نتنياهو تسهيل التوصل إلى صفقة تبادل، ويرفض التحذيرات الشاملة بشأن غزو رفح، ويعود مجدّداً إلى شمال القطاع، كأنّ العدوان يبدأ من جديد، رغم أنّ هذه العودة تنسف مزاعم سابقة بأنّ جيش الاحتلال أكمل المهمّة في الشمال، وفكّك منظومة المقاومة الفلسطينية.
المشهد مفتوح على الوقت، بالنسبة لنتنياهو، فهو إن اضطرّ للتخفيف في القطاع، سيذهب للتصعيد في الجنوب اللبناني، أو استفزاز إيران مرّة أخرى، وهكذا يتلاعب بالجميع.
إذا كان نتنياهو لا يُبدي أيّ اهتمامٍ بأسراه، ولا يُبدي أيّ اهتمامٍ بما يشهده الوضع الداخلي من احتجاجات وانقسامات، واستقالات، وخسائر بالجملة والمفرّق، فإنّه بالتأكيد ليس في وارد الاهتمام بما إذا كان صديقه الذي أعلن عن صهيونيته، ونقصد بايدن، سيحصل على فرصة للفوز أم لا.
رغم هذا العناد الذي يُبديه نتنياهو إلّا أنّه سيصطدم بالكثير من الحقائق، والتطوّرات الداخلية، التي ستُرغمه على التسليم ومواجهة مصيره المحتوم.
الحرب العدوانية مشتعلة، والقتل مستمرّ، والتدمير كذلك، ولكن دم الفلسطينيين ومعاناتهم لن تضيع هدراً، وستدفع دولة الاحتلال الثمن باهظاً. الشعب الفلسطيني باقٍ في أرضه، ولكنّ دولة الاحتلال ستدفع الثمن من شرعية وجودها ومن بقاء مشاريعها ودورها الاستعماري الكولونيالي في المنطقة.