- مراسلنا: شهيدان في قصف سيارة منظمة (المطبخ المركزي العالمي) في منطقة السطر الشرقي بخان يونس
- استهداف سيارة في منطقة السطر الشرقي بمدينة خان يونس
إدارة الشعوب تحتاج إلى قدر كبير من الذكاء أما إدارة الثورات فتحتاج إلى عبقرية، ببساطة لأن إمكانيات الثورات شحيحة أمام إمكانيات المحتلين وعلى تلك العبقرية أن تستدعي ذكاءها الخارق للتغلب على إمكانيات خصمها الهائلة.
هذا يحتاج إلى حسبة دقيقة جداً لا تحتمل المغامرات لأن الشعوب تحت الاحتلال لا تحتمل ترف الهزائم.
الصورة الأخيرة للجيش الإسرائيلي في معبر رفح تشي بنهاية ما حدث ويحدث من كابوس أصبح واقع غزة الذي دمرته إسرائيل. فالمعركة لم تكن متكافئة ومن الطبيعي ألا تكون ما بين قوة يقف العالم خلفها بمصانع أسلحته وما بين قوة محاصرة تصنع سلاحها محلياً بلا إمدادات، فالزمن ليس في صالحها بالتأكيد فالحسابات القديمة كانت تبني نظرياتها على أن إسرائيل لا تستطيع خوض حرب طويلة أو لا تستطيع تحمل الخسائر ولم تقرأ انزياحات إسرائيل في العقدين الأخيرين نحو دينية هي أقدر على التحمل بإسباغها البعد الأيديولوجي على الحروب.
لكن المهم هنا كان من الغريب أن تفكر حركة محاصرة يحيطها الاحتلال من كل الجهات بخوض حرب كلاسيكية ورفع مستوى الصدام إلى درجة التهديد الوجودي دون توفر إمكانيات المعركة.
فالحرب النظامية تحسم لصالح أكثر الإمكانيات وأكثر الأعداد وفائق السلاح والتكنولوجيا في الحروب الحديثة، وتمتلك إسرائيل ما يتفوق على دول المنطقة أو كما قال رئيس الأركان السابق أفيف كوخافي إن الجيش الإسرائيلي أعد نفسه لمواجهة إيران.
حتى اللحظة ليس هناك تفسير لعملية السابع من أكتوبر والتي رفعت مستوى الصدام وانتهت باجتياح إسرائيل لغزة.
هل هي عملية لإطلاق سراح الأسرى ؟ لم يكن ذلك يتطلب رفع الصدام لمستوى الحرب الكبرى، أم كانت عملية التحرير الكبرى كحالة اقتنعت بتنبؤات بسام جرار ومؤتمر وعد الآخرة ؟
إن كانت كذلك لماذا لم ترسل حماس بكل قواتها للداخل ؟ ما زالت أسئلة كبرى لكن جميعها تشي بحسابات خلت تماماً من الكفاءة لإدارة صراع بهذا التعقيد الذي يحتاج إلى قدر كبير من الذكاء.
في الحروب الكلاسيكية ينتصر الجيش الأقوى والأكثر تسليحاً وليس الأكثر إرادة أو عقيدة كما تقول الجماعات العقائدية، وكما قيل: «انتهت الشجاعة مع اختراع أول طلق ناري»، حينها أصبح بإمكان أكثر الجبناء الانتصار على أكثر الشجعان، أما كلام التعبئة والعقيدة فقد كان وليداً لمرحلة تاريخية زمن عنترة وحروب القبائل والسيف.
إسرائيل دولة مجرمة، هل هذا جديد ؟ إسرائيل دولة فوق القانون الدولي، هل تلك مفاجأة ؟ إسرائيل ابنة أميركا، هل هذا اكتشاف ؟ الغرب كله مع إسرائيل فأين المفاجأة ؟.
لكن كل ذلك كان يجب أن يدخل في حسابات القرار قبل أن يتم اتخاذه، ويعرف من يدير صراعاً مع إسرائيل أن الغرب كله معها وأنها ابنة الولايات المتحدة وأنها دولة متوحشة لا تتورع عن تدمير وإبادة البشر لا أن يكتشف هذا بعد أن يخطو خطوة واحدة لأن شتم العالم حينها لا يخفف من وطأة الكارثة بل يبدو أشبه بالنحيب الذي يعكس انعدام الكفاءة في فهم الصراع وفي إدارته.
الثورات ليست بحاجة لتشكيلات عسكرية وألوية وقطاعات وبحرية وجوية كما الجيوش، كل ما تقوم به هو حرب العصابات التي أزالت كل محتلي التاريخ لأنها علاج ذكي لقوة الخصم تحتاج لمجموعات فدائية تستنزف بطريقة مراكمة النقاط وليس بالضربة القاضية كما قال الأمين العام لحزب الله في خطابه الأول بعد الحرب، وهو يقدم ما يشبه النقد الخجول لحركة حماس التي رفعت المستوى بما يشبه الضربة القاضية، كانت ارتداداتها فادحة لأنها لا تملك من القوة ما يردع أو يمنع ردة الفعل، وقد ساهمت بعض الفضائيات بتعزيز مفهوم الجيش الكلاسيكي وهي تتحدث عن قوة الحركة الفلسطينية البسيطة من قطاعات جوية وبحرية وصاروخية وألوية وتشكيلات نظامية، كل هذا أدى لإحباط نفسي كبير لمواطن يرى الجيش الغازي يدخل كل المناطق دون قدرة على صده أو منعه آخرها سرعة الوصول لمعبر رفح دون ممانعة تذكر.
مع كل ما حصل تبدو إسرائيل أمام هزيمة استراتيجية كما قال لويد أوستن وزير الدفاع الأميركي، إسرائيل ستنهزم ليس بسب ضعفها العسكري بل بسبب فائض قوتها الذي أفرطت في استخدامه ضد الفلسطينيين.
ولأنها دولة معاكسة للقيم الكونية أيضاً لهزيمتها شكل مختلف عن كل الهزائم، فائض القوة هو ما أظهر وجهها المتوحش وانحطاطها الأخلاقي، فائض القوة هو ما سيجرها للمحاكم الدولية، فائض القوة هو ما أخرج التظاهرات في الشوارع والجامعات والميادين، فائض القوة سيجعلها دولة منبوذة، فائض القوة الذي جعل من الرأس أضخم كثيراً من الجسد حيث لن يقوى على حمله فليس أمامه سوى السقوط المريع الذي يتبدى أمامنا، فائض القوة الذي يجعلها عاجزة عن البحث عن حلول سياسية لأزمة استراتيجية.
كانت صورة جلعاد أردان مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة وهو يمزق ميثاقها تعبيراً عن هزيمة فائض القوة وانحطاطها.
وعلى الجانب الآخر يقول أستاذ علم النفس الدكتور فضل عاشور: «الضعفاء لا ينهزمون لأنهم مهزومون أصلاً» لذا لا متسع لهزيمة الفلسطينيين في هذه الحرب لكن نتيجة هذا الجنون الذي تظهره إسرائيل على الهواء مباشرة ستنتهي بهزيمتها ... تلك واحدة من حقائق التاريخ وأحكامه.