- استهداف سيارة في منطقة السطر الشرقي بمدينة خان يونس
للأسف ركب مناصرو الأحزاب العرب والفلسطينيون موجةَ هذه الاحتجاجات الطلابية ليُبرزوا أحزابهم، فرفعوا أعلام حزب الله وحماس، وسارع المنسوبون للإسلام لتنظيم الصلوات وترديد الهتافات العنصرية، وأطلقوا عليها اسم (الربيع الأميركي) فبدت صورة الانتفاضة الطلابية وكأنها تدعو لاحتلال أميركا!
علينا أن نعترف بأن الإسرائيليين بارعون في امتصاص هذه الموجة في بدايتها، هم أيضاً بارعون في إفسادها وتغيير مسارها! استغل اللوبي الإسرائيلي أحداثاً مماثلة لتحقيق الهجرة اليهودية من بلدان العالم إلى إسرائيل، تمكن اللوبي اليهودي الداعم لإسرائيل من فرض هيمنته الدعائية على الجو الأكاديمي في العالم، وهو الجو الذي تفلَّت منها (مؤقتاً) في هذه الأيام بسبب المجازر العرقية في غزة!
ظللت أتابع ما يُخطط له الإسرائيليون للقضاء على هذه الانتفاضة الطلابية، ومن ثَمَّ استغلال أحداثها لهدف إعادة فرض هيمنة الدعاية الإسرائيلية على الرأي العام بخاصة في السلك الأكاديمي الجامعي، لأن معظم الجامعات كانت مركزاً لمقاطعة إسرائيل!
إليكم بعض ما رصدْتُهُ مساء يوم 5-5-2024 في مناسبة إحياء ذكرى الهولوكوست في متحف ياد فاشيم بالقدس، شدد رئيس الدولة، اسحق هرتسوغ على أهمية وحدة الجاليات اليهودية في العالم وأنهم سيحظون بدعم إسرائيل، وهم يتعرضون لموجات من الكره والعنف! اسحق هرتسوغ نفسه أرسل قبل يومين رسائل إلى كل الجاليات اليهودية في العالم، وقال لهم: "انتبهوا فإن الجامعات الأميركية تحتفل بهولوكوست آخر جرى يوم السابع من أكتوبر ضد الدولة الديموقراطية" ثم أعلن مخطط إسرائيل المركزي، وهو تهجير يهود أميركا إلى إسرائيل!
أما نتنياهو فقد أكد في خطابه على الشعار الإسرائيلي الأول (لن نسمح بإبادة اليهود مرة ثانية، وها هي محاولة إبادة جديدة من النازيين الجدد (حماس) وهم نسخة جديدة من هتلر) نحن مصرون على استعادة أسرانا، يجب أن نتوحد، وقد أشار أيضاً إلى وجه إسرائيل الآخر الزائف عندما قال: "نحن نسمح لقوافل الغذاء أن تصل غزة منعاً للمجاعة"!
أما معظم الكتاب والمحللين الإسرائيليين فرسموا الخطط التالية بعد دعوة هرتسوغ لوحدة الشعب اليهودي، قرنوا التظاهرة بمؤامرة دولية على أميركا! ادَّعى الباحث الصحافي، عاموس أسائيل أن هذه الانتفاضة ليست عفوية بل مدعومة من دولتين كبيرتين، هما الصين وروسيا! كما أن هتافات الطلاب (يجب محو الصهيونية) هي هتافات ضد أميركا نفسها، وأكد بأن هناك سبعة ملايين ناخب يهودي أميركي هم صهيونيون، وهناك مئات ملايين المسيحيين هم من معتنقي الصهيونية، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي، جو بايدن!
كذلك حذر الكاتب، متشل كمبر الأميركيين من أن هذه التظاهرات هي تظاهرات ضد أميركا نفسها، لأن الطلاب قد هتفوا (الموت لأميركا) وفق تصريح مسؤول الشرطة في نيويورك، وأبرز الكاتب المنشورات الموزعة على خيام الطلاب المنتفضين، فمن يقرأ تلك المنشورات سوف يصل إلى نتيجة وهي أن هذه التظاهرات منظمة وممولة من الخارج، لأن فيها تعليمات لكيفية مواجهة رجال الشرطة، وطريقة بناء مصدات ودروع وحواجز ضد الشرطة، لذلك فإن جهاتٍ عديدة منظَّمة هي المسؤولة عن هذا الانتفاضة الطلابية، وليست عفوية!
أما وزير شؤون المهاجرين (الدياسبورا) عميحاي شيكيلي فقد أرسل الرسائل لكل رؤساء الجامعات في أميركا والعالم يوم 2-5-2024 وهو يحذرهم من ارتفاع ظاهرة اللاسامية في دولهم بنسبة 700% منذ السابع من أكتوبر 2023 وحذرهم من هتاف (عاشت الانتفاضة) ومن رفع أعلام حزب الله في جامعة برنستون، وحذرهم من أن الطلاب اليهود في تلك الجامعات يعيشون لحظات الخوف والرعب، وأن هناك فرقاً بين دعم التعبير الحر وبين اللاسامية والإرهاب!
لم يُغفل المطبخ الإسرائيلي المناهض لتظاهرات الطلاب العالمية من إعادة التذكير بما جرى لليهود في أميركا عام 1930. ربط هذا المطبخ بين ما جرى في تلك السنة وما يجري اليوم، حين انتفض الأميركيون على وجود اليهود في أميركا، بسبب ما كان يقال إن اليهود سيحكمون أميركا ويغيرون الدين المسيحي، ما أدى إلى تحجيم دور اليهود في الجامعات والمدارس، ففُرضت نسبة معينة على قبول الطلاب اليهود في الجامعات بحيث لا تزيد نسبتهم على 30% فقط، ولم يكن في تلك السنة سوى مائة أستاذ جامعي يهودي في كل جامعات أميركا، ومُنع اليهود من شراء العقارات والبيوت، ومن الوصول إلى رئاسة الشركات!
لم ينسَ مخططو مؤامرة القضاء على هذه الانتفاضة أن يُحذروا اليهود مناصري الفلسطينيين والمشاركين في خيم الاعتصام، فقد حذرهم الكاتبُ أندريا صمويلز، وهو محرر في صحيفة جروسالم بوست يوم 6-5-2024 قائلا لهم: "كل يهودي يشارك في التظاهرات الطلابية ويدعم الفلسطينيين هو يهودي كاره لنفسه، محرض على اللاسامية ومناصر للإرهابيين من حماس وحزب الله"!
حتى كتابة هذا المقال لم ينته المطبخ الإسرائيلي من إعداد المضادات والفيروسات القادرة على وأد هذه الانتفاضة وتغيير مسارها لتخدم إسرائيل وخطتها في الإجهاز على الوطنية الفلسطينية!
وفي الوقت نفسه لم ينته خطباؤنا المفوهون وزعماء أحزابنا البارزون، ومحللو الفضائيات وجنرالات العرب المتقاعدون من إعداد البيانات والخطابات البليغة التي تصب في شعارهم: "دمار غزة والضفة الغربية وإبادة الفلسطينيين وتشريدهم هو الثمنُ الضروري لتغيير العالم واستعادة دولة السلف الصالح، لأن العالم كله سيصبح عربياً وإسلامياً خالصاً عما قريب"!