16 يوماً… كثير من الدوران في المكان نفسه
ريما كتانة نزال
16 يوماً… كثير من الدوران في المكان نفسه
الكوفية لا خلاف على حقيقة العنف ضد المرأة، ولا على خطورته وامتداده كظاهرة لم تنجُ منها عموماً المجتمعات العربية والغربية. لكن التقييم واجب، والوقفة أمام حصاد سنوات طويلة من العمل الدؤوب على التغيير الحالي تحت عنوان «16 يوماً
لمناهضة العنف ضد المرأة»، يطرح السؤال المشروع: هل هذا الشكل من الحملات قادر على إحداث أثر حقيقي، أم أنه قد تحوّل إلى طقس سنوي بلا نتيجة تُذكر؟
في كل عام تقريباً، تتكرر المشاهد ذاتها: فعاليات متشابهة، خطابات مألوفة، شعارات محفوظة، وحضور رمزي وتفاعل ضعيف من النساء.
وتنتهي الأيام الستة عشر، ويعود الواقع كما كان. ضَعف التفاعل ليس تفصيلاً عابراً، بل مؤشر على أن الأداة نفسها باتت مُتعبة أو تشكو من النواقص.
المشكلة ليست في عدالة القضية، بل في تضخيم الشكل على حساب الجوهر وعدم الحوار الجاد حول الأسباب الحقيقية لظاهرة موجودة.
يشير الواقع إلى أن ظاهرة العنف الاجتماعي تتوسع وبحاجة لمعالجة جوهرية تشرك جميع المستضعفين في اجتثاثها، الأطفال معرضون للعنف والمسنون وذوو الإعاقة وغيرهم من الذين تطالهم يد العنف بأشكاله المختلفة، العنف الاقتصادي والتمييز الطبقي والجغرافي، وتنعدم فرصهم في الوصول إلى الموارد والبطالة والتمييز والمحسوبيات والفساد، فلم لا يتم إشراكهم بالمسار على أساس خطاب شامل بديل!؟
الأخطر من ذلك، اعتماد منطق القصّ واللصق، واستخدام الأدوات المعوْلمة دونما فحص وتدقيق، هل نحتاج فعلاً إلى ستة عشر يوماً من الأنشطة، أم إلى مقاربة أقل عدداً وأكثر شمولية وتركيزاً يمكن أن تكون كافية؟
ألا تصل الرسالة في يوم واحد أو بضعة أيام يتم تخصيصها لغايات الإضاءة على الظاهرة وضرورة التصدي لها ومنع استشرائها وطرح المطالب التي من شأنها الردع وصولاً إلى اجتثاثها، ولماذا تُنقل الحملة كما هي من سياقات عالمية مختلفة إلى واقع فلسطيني شديد الخصوصية، يتعرض فيها المجتمع بأسره لعنف الاحتلال، المصدر الرئيس للعنف، بينما لا تُبذل الجهود لمشاركة الجميع الفكرة مبقية الجميع من ذوي المصالح المتقاطعة خارج الصورة، رغم أن الاحتلال والتمييز يعيدان إنتاج العنف وأسبابه في المجتمع الفلسطيني، ويلمعان جذوره الثقافية والطبقية.
في فلسطين، العنف ليس مجرد سلوك فردي أو مشكلة أسرية، بل جزء من بنية أوسع: استعمار، عسكرة، فقر، وانهيار اجتماعي متراكم، وهذه الحقائق تدفع للقول بأن الحملة ينبغي لها التصدي من قبل ائتلاف واسع يضم الجميع دون تخصيص لمعالجة أسباب وجذور العنف، السياسي والاجتماعي، رضوخاً للواقع وللحقيقة، فالعنف هنا لا يستهدف النساء وحدهن، بل يطال الأطفال، والمسنين، والفقراء، والمهمشين.
هذا لا يعني التراجع عن النضال النسوي أو تمييعه، وليس إلغاء قضية العنف بل إنقاذ معناها من الاستهلاك والعزلة، وليس إلغاء للحملة بل العكس، توسيع الأفق بما يشمل جميع من يتعرض للعنف في مركز المشهد البنيوي للعنف، والابتعاد عن حصر النقاش في إطار ضيق قد يُضعف القدرة على فهم جذور العنف وتفكيكه، وهو ما استنتجته الأطر والمفاهيم الدولية على صعيد مفهوم التمييز الذي لا يحصره بالتمييز على أساس الجنس، بل يجمع بين جميع المميز ضدهم، على خلفية التمييز العنصري بسبب لون البشرة أو بين الشمال والجنوب وبين الريف والمدينة، وغير ذلك من الأسباب.
أحياناً، حجر واحد في المياه الراكدة يكون أكثر فاعلية من ستة عشر يوماً من الدوران في المكان نفسه.
لا أحد يجادل في حقيقة العنف ضد النساء، ولا في عمقه وخطورته، بل لإظهار تقاطع الجنس مع الفقر، والإقصاء الاجتماعي، والاحتلال.
هذا النص ليس بياناً للإعلام، ولا مادة للمانحين، بل نقاش داخل البيت النسوي لتقييم الأداء وتصحيح المسار، لدمج النسوية في الخطاب العام وعدم فصلها عنه، لإنقاذ المعنى من العزلة وتحريك الوعي الجمعي بمشهد العنف العام وإحداث التغيير الملموس، لأن أكثر ما يُضعف الحركات ليس الهجوم الخارجي بل الجمود الداخلي، وقذف حجر واحد في المياه الراكدة يكون أكثر جدوى من ستة عشر يوماً من الدوران في المكان نفسه.