موظفو السلطة الوطنية… إلى أين؟
بقلم: شريف الهركلي
موظفو السلطة الوطنية… إلى أين؟
الكوفية في هذه اللحظة الغارقة بالضباب، يبدو موظفو السلطة الوطنية المدنيين والعسكريين وكأنهم يسيرون على طريقٍ لا نهاية له؛ طريقٍ فقدت معالمه، وتلطّخت حدوده، وأصبح أكثر شبهًا بممرٍّ معتم يعيش فيه الموظف كأنه على كوكبٍ آخر يشحّ فيه الضوء ويسود فيه القلق.
لقد باتت حالة الإحباط سمة عامة لهذه الشريحة التي حملت على أكتافها عبء المؤسسات لسنوات طويلة، تحمل ملفات الناس، وتدير شؤونهم، وتلتزم بما عليها… بينما الواقع يزداد قسوة، وخصوصًا في قطاع غزة بعد الحرب؛ حيث تصاعدت الأسئلة التي تجرح أكثر مما تجيب:
إلى أين يسير الموظف؟ أين راتبه ؟ أين مستقبله؟ وكيف يعيل أسرته في ظل قسوة وتحديات الحياة؟
أبناء هؤلاء الموظفين اليوم يقفون في ناصية الشوارع بين اليأس والأسئلة، بينما آباؤهم يعيشون على "كفّ عفريت" في ظل راتب غير مستقر، ووظيفة مُهدَّدة، ومصير غارق في الضباب يسير في طريق السراب
وللأسف… لا يزال المشهد بلا ترتيب، بلا رؤية،بلا برنامج، بلا خارطة، وكأن الزمن في غزة متجمّد عند لحظة ارتباك لا تنتهي.
نداء إلى الرئيس محمود عباس
من موقع المسؤولية الوطنية والإنسانية، فإنني أناشد الرئيس محمود عباس أن يعيد ترتيب الأوراق المبعثرة، وأن يرسم الحدود الواضحة لمستقبل هذه الفئة المنهكة، فالاستقرار الوظيفي ليس منّة، ولا رفاهية؛ بل هو أساس الاستقرار الاجتماعي، ورمانة ميزان لأي مجتمع يريد أن يقف على قدميه بعد حربٍ هزّت جذوره.
تحليل سياسي: الرواتب بين الواقع والسياسة
ليست الأزمة أزمة رواتب فحسب، بل أزمة بنية سياسية وإدارية تتشابك فيها الاعتبارات المالية مع الحسابات التنظيمية ومعقدات القرار.
1-الوجود في الوظيفة العمومية… أم على الهامش؟
يعيش الموظفون اليوم بين معادلتين متنازعتين:
وجود شكلي في السجلات.
وغياب فعلي في الحقوق والاستقرار.
هذا الانفصال خلق شعورًا عميقًا بأن الوظيفة لم تعد ضمانًا للمستقبل، بل أصبحت نوعًا من الانتظار الطويل… انتظار قرارٍ مفاجئ بلمح البرق بالعودة أو بالاستغناء.
2-الفصل المفاجئ وتضخّم الملفات.
شهدت السنوات الأخيرة حالات فصل مفاجئ، وأخرى صيغت تحت مسميات مختلفة:
التقاعد الإداري،المالي،الإحالة للصالح العام، وكارثة قوائم "الاستغناء المؤقت" التي لا تُعلن أسبابها ياه هذه السياسات المتراكمة تحوّلت إلى كوكتيل ضبابي يربك الموظف ويهزّ استقراره النفسي والمهني.
3- تراكم الرتب… تضخم بلا أثر واحدة من أكثر الإشكاليات تعقيدًا هي تراكم الرتب الوظيفية دون اعتماد فعلي على الكفاءة أو الإطار الهيكلي المناسب.
النتيجة: تضخم هرمي، رتب كثيرة بلا صلاحية،
وموظف يرتدي رتبة لا تفتح أمامه بابًا ولا ترفع راتبًا.
إنه نموذج يخلق شكلاً إداريًا بلا مضمون ولا معنى .
4-الشهادات الأكاديمية… أوراق معلّقة في خيام النزوح.
على الرغم من أن آلاف الموظفين سهرو الليالي و طوّروا أنفسهم وحصلوا على درجات علمية عليا، إلا أن عدم اعتماد هذه الشهادات في الترقيات أو التعيينات أصبح ضربة قاسية تحرق أحلامهم
وتحطم طموحهم.
لا معنى لشهادات لا تغيّر من وضعك الوظيفي.
ولا قيمة لعلمٍ لا يُمنح فرصة ليُطبق على أرض الواقع المتعطش لما هو جديد .
5- الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب
المعضلة الأعمق تكمن في توزيع المناصب:
في مؤسسات السلطة، يتقدّم الكثيرون وفق الولاء والطاعة لا الخبرة، فتجد:
من لا يعرف قواعد الإدارة يقود مؤسسة،
ومن لم يعمل يومًا في الميدان يقود الميدان،
ومن لا يحمل مؤهلًا مناسبًا يجلس فوق من يحمل الماجستير و الدكتوراه ويسرق غليون البروفيسور وبنفس دخانه في وجوه أتعبها الظلم لتتمنى الجهل لإنه هو سيد الوظائف.
هذه الاختلالات ليست مجرد تفاصيل؛ إنها سبب مباشر في شلل إداري، وضعف خدمات، وانهيار ثقة الموظفين بالنظام العقيم .
خلاصة
إن مستقبل الموظفين في قطاع غزة لا يمكن أن يظل رهين الانتظار. فالوضع بعد الحرب يتطلب خطة وطنية واضحة تنهي حالة التيه والتوهان، وتؤسس لمرحلة جديدة تقوم على التالي:
● الاستقرار الوظيفي.
● إعادة الحقوق المالية.
● اعتماد الشهادات الأكاديمية.
● إصلاح إداري جذري.
● حلم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وخلق حالة تنافسية بشرف تعمل على تطوير العمل.
إن الموظف ليس رقمًا في جدول الرواتب؛
إنه أسرة، ومستقبل، واستقرار مجتمع كامل.
وإذا ضاع الموظف… ضاعت مؤسسات الدولة، وضاعت معها الثقة والأمن والأمان.