غزة – عمرو طبش: في اليوم السادس عشر من سبتمبر/ أيلول 1982، حدثت مجزرة بشعة ومروعة بحق الفلسطينيين المدنيين العزل في لبنان، والتي شاهدها العالم دون أن يحرك ساكناً، حيث قتل آلاف المدنيين بلا هوادة، بينهم أطفال في سن الثالثة عثر عليهم غارقين في دمائهم، وحوامل بُقرت بُطونهن، ونساءٌ تم اغتصابهن قبل قتلهن، رجالٌ وشيوخٌ ذُبحوا وقُتلوا، وكل من حاول الهرب كان القتل مصيره.
في تلك الأثناء، كان الطفل هيثم عبد القادر عرفات، ملفوفاً بكافولةٍ بيضاء ممزوجة بالدماء الطاهرة على قارعة الطريق، وسط أشلاء الشهداء التي لطخت الأرض في أفظع المجازر على مر التاريخ، "صبرا وشاتيلا".
بعد أن حصلت المجزرة، وجدت جثث مذبوحة بلا رؤوس، ورؤوس بلا أعين، واستشهد ما يقارب 5 آلاف مدني وأصيب الآلاف من الفلسطينيين العزل، نجا عرفات وخمسة أطفال آخرين من القصف العشوائي بأعجوبة.
بعد تلك المجزرة البشعة التي تركت ذكرى سوداء، وألمًا لا يمحوه مرور الأيام في نفوس من نجا من أبناء المخيمين، تبنى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات "أبو عمار"، هؤلاء الأطفال الذين نجوا بأعجوبة من تلك المجزرة الشنيعة أحدهم "هيثم عرفات"، ولم تعرف هويتهم أبداً.
عندما تبنى الشهيد ياسر عرفات، الأطفال ومن بينهم الطفل "هيثم"، أطلق عليهم اسم "أبناء الصمود"، فانتقل بهم إلى تونس للعيش معهم في منزل واحد حتى يهتم بهم وكأنهم أبناؤه من زوجته لمدة 13 عاما، ومن ثم انتقل الطفل "هيثم عرفات" وخمسة أطفال آخرين إلى قطاع غزة.
يروى المواطن هيثم عبد القادر عرفات، صاحب الـ37 عاما، أحد الذين نجوا من مجزرة صبرا وشاتيلا، تفاصيل معاناته بعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات لـ"الكوفية"، قائلاً "عندما أتينا إلى قطاع غزة وحتى بلغت الـ17 من عمري، أصدر الرئيس أبو عمار تعليمات بتوظيفي كعسكري في السلطة الفلسطينية، والاهتمام بحالتي، وبعد استشهاد الرئيس أبو عمار، كأن عجلة الحياة توقفت نهائياً، "أنا مش عايش لأنه ما في الي قرايب، وما فشي حد بيحنن عليا وبحكيلي خذ ويسأل عني دائماً."
ويسترجع عرفات، ذكرياته مع الرئيس أبو عمار، موضحاً أن الرئيس الشهيد كانت لديه غرفة خاصة في المنزل الذي يعيش فيه، "أبوعمار كان كل مرة يتفقدنا ويبعتلنا، ونقعد ونتغذا معاه، أنا مش عايش لسا قاعد بطلع بالروح".
وأشار إلى أن وضعه الاقتصادي في السابق، كان أفضل من الأيام الحالية التي يعاني الويلات خلالها، منوهاً إلى أنه كان يتلقى راتبا قدره 2700 شيقل من السلطة الفلسطينية، ولكنه تقاعد عن العمل لسبب غير معروف، وبعد عملية التقاعد ازادت أوضاعه الاقتصادية أكثر صعوبة.
وبين عرفات، أنه عندما تزوج أنجب أربعة أطفال، قال له مكتب الرئيس محمود عباس "لماذا تزوجت وأنجبت أطفالا؟، مين يلي راح يصرف عليك وعلى ولادك"، متابعاً أنه بعد أن تزوج أخذ قرضاً من البنك لفتح مشروع، خاصةً بعد تقاعده عن العمل في السلطة، ولكنه انكسر مادياً في المشروع بغزة.
ويواصل، أن التجار والمواطنين وممثلو المحاكم بدأوا يطرقون باب منزله لطلب الديون المتراكمة عليه، بالإضافة إلى صاحب المنزل الذي يطالبه بسداد الإيجار المتراكم عليه.
ونوه عرفات، إلى أنه بعدما ضاقت به السبل وطرق كل الأبواب فوجدها مغلقة، فما كان لديه خيار إلا أن ينشر تفاصيل مأساته على حسابه الشخصي بموقع فيسبوك تلتها بعض الكلمات التي هدد خلالها بالانتحار بسبب عدم قدرته على إعالة أسرته وتوفير احتياجاتهم الخاصة.
ويؤكد، أنه بعدما نشر على فيسبوك أنه سينتحر بسبب ديونه، قرر شراء بنزين وتوجه إلى البحر حتى يحرق نفسه نتيجة تعرضه للضغوط النفسية وحالة من الاكتئاب، ولكن في اللحظات الأخيرة استطاع المواطنون إنقاذه.
وأضاف عرفات، "أنا مش قادر أصرف على أولادي، بروح لجميع المسؤولين بيحكولي أنت موظف، طيب إذا أنا موظف ليش قعدتوني؟، ضيعتوا عليا 800 شيقل من راتبي، كنت بقدر أعيش ولادي فيهم، أنا فشي عندي عيشة، والله كنا نوكل خبز ومية، يا بسرق أو بقتل عشان أطعم ولادي".
وأوضح، أنه لا يستطيع العمل جراء إصابته بطلق ناري في يده مما سبب له تهتكًا في الأعصاب، خلال الأحداث الداخلية التي وقعت بين حركتي فتح وحماس في قطاع غزة عام 2007 مع بداية "الانقسام الفلسطيني".
وتابع عرفات، "وأنا على قيد الحياة لا أحد يسأل على أبنائي، فكيف وأنا ميت، فقلت يمكن لما أنتحر تجيب نتيجة وحد يسأل عن ولادي".
وأضاف، أنه تواصل معه أحد المسؤولين من حكومة غزة حيث وعده بزيارته خلال هذا الأسبوع، ولكن لم يأتِ إليه أحد لحل مشكلته، كما أنه تواصل مع الحكومة في رام الله حتى يقوموا بمساعدته نظراً لوضعه الاقتصادي فكان الجواب اذهب لمسؤولك، حيث كان المسؤولون يتهربون منه ولا يقدموا على مساعدته أبداً وإنقاذ حياته.
وطالب عرفات، المسؤولين أصحاب القرار بالوقوف عند مسؤولياتهم في توفير منزل يستقر فيه للأبد حتى لو غرفة واحدة، ليعيش هو وأولاده بكرامة، "أنا بدي أعيش أنا وولادي مرتاحين، مش كل مرة نعيش بذل، ولادي منذلين وين ما بيروحوا بينذلوا، يعيشوا زي الناس زي أبناء المسؤولين"، موضحاً أنه في أحد الأيام بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار المنزل، اضطر للنوم في الشارع هو وأسرته.