الكوفية:مرت سنة ونيف على ظهور الجائحة الفتاكة، وقبل أن ينهي فيروس كورونا المستجد سنته الأولى أفرز سلالات جديدة أكثر انتشاراً، وسمي بالمتحور، وبلغت ذروة عالمية لم تصلها من قبل. وحتى الآن، ما زال العلماء يتخبطون في تحديد منشأ الفيروس، بعكس ما أشيع منذ البدء من أنه انطلق من سوق اللحوم البرية في ووهان الصينية، التي فاخرت العالم دون غيرها، بالاحتفال الحر بالعام الجديد كمدينة خالية من الفيروس، بينما خضعت المعمورة إلى الإغلاق لمواجهة الانتشار المتسارع للفيروس، وسلالته المتحورة .
ولا بد هنا أن نشير إلى متغيرات مستجدة في سياق التعاطي مع الجائحة التي ستترك بصماتها على المستقبل. أولها أن أصل الوباء ربما انطلق بعيداً عن الصين، أي في الولايات المتحدة، والبرازيل، وأوروبا، طبقاً لدراسة جديدة عن أن الفيروس بدأ بالانتشار قبل إعلان الصين عن انتشاره.
فقد نشر علماء من المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، نتائج أبحاثهم، ووجدوا في العديد من البلدان أيضاً فيروس كورونا في مياه الصرف الصحي التي تم جمعها قبل أسابيع، أو أشهر من بدء التسلسل الزمني الرسمي في كل من إيطاليا، وفرنسا، والبرازيل، وإسبانيا، والمحصلة أن بعض الخبراء يعتقدون أن الفيروس انتشر بكثرة في ووهان، ولم ينشأ هناك، وهذا يعيد إلى الأذهان نظريات المؤامرة الكثيرة التي واكبت الفيروس، ولم يتم تأكيد أي منها .
الملاحظة الثانية على هامش سنة أولى فيروس، أن موجة التفاؤل حول اللقاحات لم ترتفع، ليس بسبب فعاليتها، إنما بسبب سوء إدارة الإنتاج، والتوزيع، والتطعيم، حيث سارت الأمور ببطء، سواء في الولايات المتحدة الرائدة في بدء حملة التطعيم ضد كورونا، أو أوروبا، فالوتيرة الحالية للتطعيم تحتاج إلى أشهر لإنهاء العملية، هذا إذا توفرت اللقاحات، حيث تتضارب التقديرات حول إنتاجها، وكمياتها، المرتقبة وفاعليتها. كما أن التشكيك الغربي في نجاعة اللقاحين الصيني، والروسي، يبدو ليس في محله، حيث إن التجارب الإماراتية، والبحرينية، أكدت نجاعة الصيني، ويمضي الروس قدماً في حملة التطعيم باللقاح الروسي بوتيرة أعلى من الأوروبية، والأمريكية، بينما تركز الصين على التقيد بإجراءات الوقاية أكثر من غيرها كوسيلة للجم انتشار الفيروس قبل التلقيح.
بقي هناك معرفة تداعيات الجائحة اقتصادياً، ومالياً، واجتماعياً، ومن المحتمل أن يساعد بدء التطعيم بلقاحات كورونا في تسريع وتيرة التعافي، لكن من المنتظر أن تحدد آثار الفيروس شكل النمو العالمي لسنوات مقبلة. ويمكن تمييز بعض هذه الآثار الآن بالفعل. فالإنسان الآلي، والأنظمة الإلكترونية تستحوذ على العديد من وظائف عمال المصانع، والخدمات، بينما سيبقى موظفو الأعمال الإدارية في منازلهم لوقت أطول. كما سيزداد التباين في الدخول بين الدول، وداخل الدولة نفسها. وستلعب الحكومات دوراً أكبر في حياة المواطنين، وستنفق وتقرض المزيد من الأموال.
وواجهت حكومات العالم عجزاً في الميزانية بلغ 11 تريليون دولار هذا العام، وعادت البنوك المركزية إلى طبع النقود. كما سجلت أسعار الفائدة مستويات منخفضة قياسية جديدة. وكثف محافظو البنوك المركزية سياسات التيسير الكمي، ووسعوا نطاقها لتشمل شراء سندات الشركات، إلى جانب السندات الحكومية بهدف تعزيز الأداء الاقتصادي.
كل هذه التدخلات النقدية خلقت أسهل الظروف المالية في التاريخ، وأطلقت العنان لجنون الاستثمار المضارب، الذي ترك الكثير من المحللين قلقين بشأن المخاطر الأخلاقية في المستقبل، ما يمهد لكساد محتمل على مدى سنوات. ومع ذلك، فأن أثرياء الولايات المتحدة زاد عددهم خلال سنة اكثر من خمسين مليارديراً، وراكم الأثرياء أرباحاً تبلغ تريليون دولار، لكن الدين القومي لأمريكا وصل إلى 100في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، وبات 10 في المئة من الأمريكيين يمتلكون 84 في المئة من أسهم البلاد.
وفي المقابل، فإن البلدان الفقيرة تفتقر إلى الموارد اللازمة، سواء لحماية الوظائف والشركات، أو للاستثمار في اللقاحات. ويحذر البنك الدولي من أن الجائحة ستؤدي إلى ظهور جيل جديد من الفقراء، وفوضى في سوق الديون. ويقول «صندوق النقد الدولي» إن الدول النامية تواجه خطر العودة إلى الخلف لمدة عشر سنوات على الأقل، بسبب تداعيات الجائحة.