- الطواقم الطبية تتمكن من انتشال 4 شهداء من منطقة مصبح شمال رفح جنوب القطاع
بعد طول انتظار، تم الإعلان عن موعد زيارة البابا فرانسيس إلى العراق، لتكون الزيارة بين يومي 5 و8 مارس (آذار) من العام المقبل. تشمل جولة البابا المرتقبة إلى العراق كلاً من بغداد والموصل وقرقوش في سهل نينوى، بالإضافة الى أربيل. زيارة مدن عدة وعلى مدار 3 أيام دليل على أهمية الزيارة وحرص البابا على التواصل مع العراقيين. لقد حرص البابا على التواصل مع الناس مباشرة أينما ذهب. والأمل هو أن تسهل الحكومة العراقية من توفير الفرص لتواصل الناس، وخاصة أتباع الكنيسة الكاثوليكية مع البابا فرانسيس مباشرة، وألا تكون الزيارة فقط فرصة للمسؤولين.
لا شك أن زيارة البابا إلى العراق ستكون لها أهمية خاصة للمسيحيين من أبناء العراق، وخاصة من أتباع الكنيسة الكاثوليكية، رغم أن الزيارة بالفعل تعني كل العراقيين، لأنها تحمل دلالات ورسائل مهمة.
الرمزية التي تحملها زيارة البابا يمكن اختصارها على ثلاثة أصعدة رئيسية؛ أولاً، تمثل دعماً لمسيحيي العراق وتؤكد أهمية وجودهم في البلاد واستمراريتهم رغم صعوبة العيش حالياً. من المؤسف أن أعداد المسيحيين في العالم العربي تتراجع سنوياً ولقد تراجعت بشكل ملحوظ في العراق مع الهجرة العالية بسبب أزماته المتتالية. وبعد أن كان المسيحيون يشكلون حوالى 12 في المائة من سكان العراق، باتوا يشكلون نسبة أقل بكثير، يقول البعض إنها أقرب إلى 1 في المائة اليوم. لقد خسر العراق الكثير بسبب الحروب والاقتتال الداخلي والفساد وغيرها من ويلات حلت بالبلاد. ومن بين تلك الخسائر خسارة الملايين من أبناء البلد الذين هاجروا إلى الخارج. قد تكون هذه الزيارة حافزاً لبقاء المسيحيين في العراق وتشدد على أهمية تاريخهم ومستقبلهم في البلاد.
أما على الصعيد الثاني، فالزيارة تعتبر مؤشراً على مكانة العراق وأهميته إقليمياً ودولياً، على الرغم من كل المصاعب التي يشهدها. فمن المتوقع أن يكون العراق الوجهة الأولى للبابا بعد بقائه في الفاتيكان هذا العام بسبب وباء «كوفيد - 19». ولقد أوضح بيان الفاتيكان الصادر أمس الاثنين حول الزيارة أنه سيتم مراقبة الوضع الصحي العالمي إلى حين الزيارة، في حال تستدعي الظروف تأجيل الزيارة. كما أن الإصرار على التوجه إلى العراق، بعد أن استقبل البابا الرئيس العراقي برهم صالح في الفاتيكان في يناير (كانون الثاني) الماضي، يسلط الضوء على أهمية العراق.
أما على الصعيد الثالث، فتشكل الزيارة مرحلة مهمة للحد من التطرف وكبح جماح من يدعو إليه. وفي الحقيقة، هذا التطرف يأتي ليس فقط من «داعش» والمجرمين التابعين للتنظيم الإرهابي، بل من المتطرفين الذين يرفضون التنوع الديني الذي لطالما امتاز وتمتع به العراق. زيارة البابا إلى الموصل وقرقوش في سهل نينوى المرتقبة ستكون ذات رمزية عالية بعد أن سعى أتباع «داعش» لطرد أبناء نينوى من وطنهم التاريخي.
وقد قال البابا في اجتماع في يوليو (تموز) عام 2019: «إنني أفكر في العراق دوماً.. وأريد أن أزوره على أمل أنه يستطيع أن يرسم المستقبل بشكل سلمي ومن خلال السعي المشترك للصالح العام لكل أطياف المجتمع». وكان البابا فرانسيس قد نوه إلى أهمية العراق باختياره بطريرك الكلدان في العراق، لويس روفائيل ساكو، ليصبح كاردينالاً وقد لعب دوراً مهماً في تسليط الضوء على محنة المسيحيين والعراقيين بشكل عام.
وصف الرئيس العراقي برهم صالح الزيارة المرتقبة بالتاريخية، قائلاً إن العراق «أرض الرسل والأولياء، وموطن سيدنا إبراهيم عليه السلام». وأضاف أن الزيارة تشكل «رسالة بليغة لدعم العراقيين بمحتلف أطيافهم وتؤكد وحدة الإنسانية في التطلع إلى السلام والتسامح ومجابهة التطرف». كل ذلك صحيح، ولكن الزيارة بمفردها، رغم أهميتها، لن تنجح في تحقيق هذه الجهود إذا لم تؤكد جميع الجهات العراقية والأحزاب السياسية التزامها حقاً التسامح واحترام الآخر. إن حرية المعتقد واحترام الإنسان مبادئ منصوص عليها في الأديان السماوية وبحسب الدستور العراقي، إلا أن الكثير من العراقيين في الواقع لا يشعرون بأنهم يتمتعون بحماية حقيقية من الدولة، التي ما زالت تعاني من ضعف أجهزتها الأمنية وقدرتها على حماية الإنسان البسيط.
البابا فرانسيس لديه مكانة عالمية بسبب القضايا العدة التي حرص على مناصرتها، على رأسها قضايا التعايش السلمي وحماية المهجرين واللاجئين ومساعدة الفقراء وحماية البيئة. لقد كانت زيارة البابا فرانسيس إلى دولة الإمارات في فبراير (شباط) عام 2019 خطوة مهمة في ترسيخ مبادئ التسامح في المنطقة والتشديد على ما يجمع كل من يعيش في العالم العربي بغض النظر عن الدين أو المعتقد. وتوقيع بابا الفاتيكان مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وثيقة الإخوة الإنسانية، تلك الزيارة شكلت لحظة تاريخية مهمة تؤشر إلى التزام المؤسستين الدينيتين بالعمل على بناء الجسور بين الناس كافة، بالإضافة إلى العمل على لجم كافة أشكال التطرف. فزيارة البابا المقبلة للمنطقة ستكون محطة مهمة في استمرار هذه المسيرة.
تشكل زيارة البابا إلى العراق فرصة للتطلع إلى زيارة تاريخية تسلط الضوء مجدداً على موقع العراق المتميز، بالإضافة إلى كونها فرصة لتضميد جراح ضحايا العنف والقتال الذي دار في البلاد. لا شك أن الغالبية العظمى من العراقيين يرفضون هذه الهجمات التي تعرض لها المسيحيون على يد المجرمين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش» وغيرهما من تنظيمات إرهابية، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن النكران بأن هذه الجرائم حدثت في العراق وطالت عموم الناس. وهناك حاجة مستمرة لمعالجة نتائج تلك الجرائم، قانونياً وأمنياً ومادياً واجتماعياً. فمن تم تهجيره وأخذ بيته يجب أن يسترجع حقوقه. ومن يخشى على حياته، يحتاج إلى تعهدات من الأجهزة الأمنية لتوفر له الحماية. أما المعالجة الاجتماعية فتحتاج إلى إعادة بناء الثقة في بعض المدن والقرى التي شهدت الاقتتال الطائفي وإعادة العراقيين إلى ما اعتادوا عليه على مر القرون من التعايش السلمي والتآخي الإنساني.