الكوفية:بعد انتظار طويل، انتهى الجزء الأول من العرض الانتخابي الأميركي درامياً كما هو متوقع. الخشبة الآن تُعدُّ لبداية الجزء الثاني، حيث ستنتقل المشاهد إلى ردهات وقاعات المحاكم. وإلى حدّ الآن، لا أحد يملك إجابة عن السؤال: كيف يمكن لأقدم ديمقراطية دستورية في العالم الخروج من المأزق الذي قادها إليه، عمداً، الرئيس دونالد ترامب؟
في انتخابات عام 2016 فاز، آنذاك، المرشح دونالد ترامب بأصوات المجمع الانتخابي، رغم أن منافسته هيلاري كلينتون حصلت على عدد 3 ملايين صوت زيادة على الأصوات التي حصل عليها. وهذا قاد السيد ترامب إلى الزعم أن تلك الزيادة في الأصوات تعود إلى التزوير، وأنها أصوات غير قانونية. لذلك، وبمجرد تسلمه السلطة في يناير (كانون الثاني) 2017، أسس لجنة جديدة أطلق عليها اسم «لجنة التزوير الانتخابي» للتحقيق في تلك الدعاوى. مارست اللجنة الجديدة مهامها، واجتمعت مرتين، ووجدت ألا أساس لتلك المزاعم، وبعد 8 أشهر أغلقت أبوابها.
بعد 4 سنوات على تلك الحادثة، وفي الانتخابات التي انتهت في الأسبوع الماضي، عزا الرئيس ترامب خسارته إلى وجود تزوير على مستوى غير مسبوق، ورفض التسليم بالنتيجة النهائية، وقرر رفع الأمر للقضاء. الرئيس ترامب وفريقه الانتخابي لم يتمكنوا من تقديم دليل واحد يثبت الدعاوى. ومع ذلك ستتحول قاعات وردهات المحكمة العليا الاتحادية إلى ساحة لمعارك قانونية لا أحد يعرف إن كانت ستنتهي قبل يوم 20 يناير 2021؛ موعد تسلم الرئيس المنتخب مهام منصبه رسمياً، أم ستطول أكثر، وماذا سيحدث.
رئيس فريق مراقبي الانتخابات الدولي التابع لـ«منظمة الأمن والتعاون في أوروبا» المعروفة اختصاراً باسم «OSCE» وتضم 57 بلداً، مايكل جورج لينك، الذي عهدت إليه وأعضاء فريقه بمهمة مراقبة الانتخابات الرئاسية الأميركية، قال إن «أعضاء فريقه لم يجدوا أي انتهاكات أو خروقات للقواعد الانتخابية المطبقة». الفريق مكون من 102 خبير، من 39 بلداً، مختصين في مراقبة الانتخابات، وقاموا بمراقبة انتخابات في بلدان عدة في أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية. الفريق وصل إلى أميركا في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وهم الأعضاء أنفسهم في الفريق الذي راقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة في جمهورية روسيا البيضاء، وكشفوا عمّا حدث خلالها من انتهاكات وخروقات شائنة.
الموقف الحالي الناجم عن رفض الرئيس ترامب الاعتراف بالخسارة الانتخابات، وما أحدثه من تداعيات داخلية، سوف يزيد في سكب كميات الزيت على نار الانقسام الحاد في البلاد، وقد يؤدي، حسبما يؤكد مراقبون، إلى عواقب خارج نطاق السيطرة أمنياً، ويزيد في حدة الانقسام الواقع؛ الأمر الذي سينعكس على دور أميركا السياسي والاقتصادي في النطاق العالمي.
الرئيس المنتخب جو بايدن في موقف لا يحسد عليه. فبعد نحو نصف قرن من العمل السياسي في ردهات وقاعات مجلس الشيوخ الأميركي، والفشل الذي لحق به سابقاً مرتين في الوصول إلى البيت الأبيض، نجح أخيراً في تحقيق طموحه السياسي. وصوله إلى السلطة كان نجاحاً معتبراً، إلا إنه جاء في وقت دخلت فيه أميركا متاهة مظلمة، وليس أمامه من حل سوى السعي لتخليص البلاد والديمقراطية الأميركية منها، وجبر صدع الانقسام الحاصل بين مختلف فئات الشعب الأميركي. المهمة شاقة، آخذين في الحسبان أن الحزب الجمهوري تمكن من تأكيد سيطرته على مجلس الشيوخ لمدة عامين آخرين على الأقل، وزاد في عدد نوابه بمجلس النواب، وأكد سيطرته على المحكمة العليا الاتحادية لسنوات طويلة مقبلة، في وضع شبيه بتشييد سور يحيط بالبيت الأبيض وساكنه الجديد، والتحكم في المدخل الوحيد.
لا أحد بإمكانه التكهن بما سيطرأ من تطورات في قاعة المحكمة العليا، وما سينجم عنها من أحداث، وانعكاسها على الواقع السياسي الأميركي داخلياً، وتأثيرها على سمعة أميركا ودورها خارجياً، في بلد إن أصابه داء، توجّع بقية العالم ألماً، وفي زمن تتعرض فيه مكانة أميركا عالمياً لتحد خطير ممثلاً في ازدياد بروز الصين قوةً هائلةً اقتصادياً وتقنياً وسكانياً وعسكرياً، وما يمثله ذلك التحدي من خطورة انعكاساته على الساحة الدولية، التي ربما تجد نفسها متورطة في حبائل وفخاخ حرب باردة ثانية، واستقطابات جديدة، ليس من السهل التكهن بمساراتها الملتوية.
الرئيس المنتخب بايدن تلقى التهاني من رؤساء وملوك وقادة دول العالم، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون. وفيما يخص الأخير، فإن التقارير الإعلامية تشير إلى معضلة متوقعة في العلاقة بينه وبين الرئيس الجديد الذي سبق له أن وصف جونسون بأنه مجرد استنساخ من الرئيس ترامب. أضف إلى ذلك موقف بايدن المعارض خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لأنه يؤدي إلى إضعاف حلفاء أميركا، مضافاً إليه ما قد يحدثه من تأثيرات سلبية على اتفاق السلام في إيرلندا الشمالية. كما أن سعي بريطانيا إلى عقد اتفاق تجاري مع واشنطن أضحى أكثر تعقيداً، وقد يستغرق وقتاً طويلاً. إلا إن المقربين من جونسون يقللون من شأن تلك العقبات، ويؤكدون إمكانية تجاوزها في المستقبل القريب.
"الشرق الأوسط"