د. أيمن سمير
الكوفية:يزعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن التدخل العسكري المصري المتوقع لدعم إرادة الشعب الليبي في الدفاع عن نفسه وعن مقدراته في وجه الإحتلال التركي والميلشيات والمرتزقة، ليس قانونيًا وليس شرعيًا، وأن حكومة طرابلس التي يقودها فايز السراج هي الحكومة الشرعية التي يحق لها طلب المساعدة العسكرية من الخارج، فما هي مشروعية التدخل العسكري المصري من الناحيتين القانونية والسياسية؟.. وهل تبقى لحكومة السراج أية شرعية كما يزعم أردوغان؟.. وإذا كانت حكومة طرابلس غير شرعية فلماذا تعترف بها الأمم المتحدة وتصر على أن تكون أحد أطراف المعادلة الليبية؟
المادة 51
وفق المادة 51 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يحق لكل دولة الدفاع عن أمنها القومي من النقطة الإستراتيجية التي تراها، بمعنى لايقتصر وفق هذه المادة مبدأ الدفاع عن النفس من داخل الحدود الجغرافية للدولة، ولذلك حددت الدولة المصرية والرئيس عبد الفتاح السيسي خط الجفرة – سرت، كخط إستراتيجي لا يجوز للميلشيات ان تتجاوزه شرقاً أو جنوباً، ويزداد أهمية هذا الخط في ظل وجود عاملين إستراتيجيين، الأول أن هناك عدوًا قادمًا من على بعد 3 آلاف كيلومتر، وهدفه الوحيد هو الإضرار بمصر، كما أن مِن أُسس محاربة الجماعات الإرهابية هو محاربتها خارج الحدود وليس من الداخل، ولهذا وفق هذه المادة فإن لمصر والجيش المصري الحق القانوني الكامل للدفاع عن أمن مصر القومي من خط سرت الجفرة، خاصة أن فايز السراج قال إنه لن يتوقف إلا بعد الوصول إلى مدينة “مساعد” على الحدود المصرية الليبية، وقد شهدت هذه الحدود محاولة 10 آلاف سيارة دفع رباعي تحمل إرهابيين ومرتزقة الدخول للأراضي المصرية وتنفيذ عمليات إرهابية خلال السنوات القليلة الماضية، وهو ما يفرض على الدولة المصرية واجب الحماية والدفاع عن الأمن القومي المصري خارج الحدود الجغرافية المصرية.
الكيان الشرعي الوحيد
زاد من شرعية التدخل المصري وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة أن البرلمان المنتخب بشكل مباشر من الشعب الليبي، وهو “المؤسسة الوحيدة المنتخبة” في ليبيا دعا مصر والجيش المصري لتقديم مساعدة عسكرية للجيش الوطني الليبي في الدفاع عن ليبيا أمام الاحتلال التركي وأكثر من 18 ألف إرهابي جلبهم أردوغان من الشمال السوري ومن الشيشان وجمهوريات آسيا الوسطى، لقتل الشعب الليبي والاستيلاء على أمواله وثرواته، والجيش الوطني الليبي أصبح مؤسسة شرعية كذلك لأن تأسيسه وتكوينه جاء بقرار من مجلس النواب المنتخب، ولهذا يعتبر الجيش الوطني الليبي المؤسسة العسكرية القانونية والنظامية “الوحيدة” في البلاد، ووفق كل الأعراف الدولية عندما تتعرض دولة لخطر الاحتلال أو الإرهاب أو ضياع الهوية، فمن حقها أن تطلب مساعدة عسكرية، وقد طلب البرلمان الليبي من الجيش المصري التدخل لمساعدة ليبيا للوقوف في وجه الإرهابيين، وهذا وحده يكفي لتحقيق المشروعية السياسية الكاملة للتدخل المصري حال قررت القيادة السياسة المصرية ذلك.
إضافة حسنة
رغم ما يتوفر للتدخل المصري من شرعية كاملة سواء بنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة أو طلب البرلمان الليبي، إلا أن مؤسسة القبائل الليبية وهي التي تضم كل القبائل الليبية من الشرق والغرب والجنوب حرص 150 زعيمًا من زعمائها على الحضور لمصر، وتقديم دعوة مباشرة وعلنية لمصر ورئيسها وجيشها للتدخل ومساعدة الشعب الليبي، وهذا الموقف من القبائل الليبية هو الذي أرعب اردوغان، لأن الدعم الكامل وغير المشروط من القبائل الليبية يمثل دعم “الحاضنة السياسية والإجتماعية” للدور المصري، ولهذا سيعمل أبناء القبائل في كل مناطق ليبيا على مقاومة الاحتلال التركي، وهو الأمر الذي بات أردوغان وميلشياته ومن معه يحسبون له ألف حساب.
إنتفاء شرعية السراج
على الجانب الآخر يعلم الجميع أن حكومة السراج غير منتخبة، وشرعيتها كانت “مؤقتة” باتفاق الصخيرات، وقال اتفاق الصخيرات في المادة الرابعة إن مدة الاتفاق “عام واحد” قابلة للتجديد عامًا آخر فقط ، والاتفاق تم توقيعه في ديسمبر 2015 واستمر حتى ديسمبر 2016، وإذا إفترضنا أن الشرعية إستمرت للعام الإضافي فإن شرعية الصخيرات والحكومة التي إنبثقت عنه إنتهت في 18 ديسمبر 2017، ومنذ ذلك التاريخ تعد حكومة السراج غير شرعية، بل الأكثر فإن حكومة السراج لم تكن شرعية حتى ليوم واحد، لأن أي حكومة في العالم عليها الحصول على موافقة مجلس النواب، ورفض مجلس النواب مرتين منح السراج أي شرعية، كما أن السراج ذهب للمحكمة الليبية أكثر من 10 مرات، وفي كل مرة كانت المحكمة تعتبره وحكومته غير شرعي، يضاف لكل ذلك أن هناك بندًا في اتفاق الصخيرات الذي يتمسك به أردوغان والسراج يقول إن أي اتفاق خارجي يجب أن يوقع عليه “مجلس الرئاسة ككل” وليس رئيس المجلس “السراج” الأمر الذي يؤكد أن كل إتفاقيات السراج وأردوغان غير شرعية، وهو ما يطرح سؤالاً حول الأطراف التي تدعي أن حكومة السراج حكومة شرعية؟.. الإجابة ببساطة أن هناك من يريد أن يعيد ما يسمى بالربيع العربي مرة أخرى، حاولوا في 2011 “بالطريقة الناعمة” وهي شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان والمظاهرات، وعندما فشل كل ذلك يجربون اليوم “بالطرق الخشنة” عن طريق الجيوش والميلشيات والمرتزقة والإرهابيين.
الغد