غزة - عمرو طبش: تحل اليوم، الذكرى الثالثة عشرة، للانقسام الذي حلّ على فلسطين بوجهٍ عام، بينما كانت هناك كارثة أخرى بانتظار إحدى العائلات في قطاع غزة، فلم يكن الثالث عشر من يوليو/تموز 2007 يومًا عاديًا في حياة هذه عائلة القصاص حيث أصيبت الابنة والأب في آن واحد، لتصبح الفاجعة فاجعتين.
بدأت الحكاية المؤلمة، عندما "خرجت فاطمة من بيتها إلى المسجد من أجل قراءة القرآن، لكن في طريقها إلى هناك حدث ما لم يكن في الحسبان".
طلق ناري يخترق رأس فاطمة
خطوات فاطمة تسير ببطء ربما هي تعلم أن هناك أمرا سيئا سيحدث، سمعت أصوات طلقات الرصاص، لتلتفت يمينا ويسارا، ولكن لوهلة طلقٌ ناريٌ طائش من بين تلك الطلقات اخترق جمجمة رأسها.
طلق ناري آخر يصيب والدها أثناء محاولته إنقاذها
فور سماع والدها الذي كان داخل منزله الذي يبعد أمتار قليلة عن المسجد لصوت رشقات الرصاص هرع مسرعا إلى هناك، وضع يديه على وجهه مصدوما من وهل ما شاهد، وأصبح يستغيث "ابنتي فاطمة تموت الحقوني يا عالم"، لكن سرعان ما تحول نداؤه من استغاثة لإنقاذ فلذة كبده، ليصبح مناديا على عن من يغيثه مع ابنته بعد إصابته بطلق ناري في القدم.
تعرض والد فاطمة لإصابة بطلقٍ ناري طائش في ركبته ليفترش الأرض بجوار ابنته وتمتزج دماؤهما معا، فاطمة القصاص "29عاما"، إحدى ضحايا الانقسام الفلسطيني تقول لـ"الكوفية"، "قبل إصابتها بتاريخ 13-6- 2007 (أحداث الانقسام)، كانت تمارس حياتها بشكل طبيعي، إذ أنها من الطالبات المتفوقات والتي تحفظ القرآن، وتذهب أينما كانت تريد بكل راحة، ولكنها بعد الإصابة عانت الويلات والويلات.
شلل نصفي.. والسبب رصاص الانقسام البغيض
وتروي الجريحة فاطمة قصتها لـ"الكوفية" من البداية، وتقول، "في بداية أحداث الانقسام الفلسطيني، كنت متجهة إلى المسجد لحفظ كتاب الله، وأثناء عودتي للمنزل سمعت صوت إطلاق نار وفجأة أصبت برصاصة في رأسي".
وتضيف فاطمة، "عندما كنت ملقاة على الأرض أتى والدي من أجل إسعافي، لكن رصاصة طائشة أخرى اخترقت قدمه ليسقط أرضا، وبعد إسعافنا دخلت في غيبوبة لمدة 3 شهور، وخرجت من المستشفى بشلل نصفي، وأصبحت غير قادرة على ممارسة حياتي بشكل طبيعي، مما تسبب في عدم مقدرتي في حركة يدي وقدمي وتعطلت جزء من خلايا دماغي.
مضاعفات أدت لاستشهاد والدها بعد أعوام
وتكمل فاطمة، "بعد إصابة والدي أثناء أحداث، زادت المضاعفات جراء إصابته، فأصيب بمرضي السكر والضغط وفقد بصره، ليفقد حياته عام 2014"، مشيرة: "أنها بقيت تعاني ثلاثة عشر عاما، وهي تذهب إلى المستشفيات والأطباء حتى يقوموا بعلاجها، ولكن حتى اللحظة لم يقم أحد بمساعدتنا".
وتشير فاطمة بضيق شديد، إلى أنها كلما شاهدت جهاز القدم الخاص بوالدها، استذكرته لتهرع بالبكاء عليه، وتقول "أبويا كان بالنسبة إلي الحنون ولو بدي أوصفلك عنه مش حقدر ولا أوفيه".
وتضيف فاطمة، "أملك ثلاثة أجهزة طبية لذراعي، لكني أعاني كثيرا في حركتي أثناء القيام بواجباتي البدني كالملبس والمأكل أو الخروج من المنزل، ودائما أكون بحاجة والدتي وشقيقتي لتساعداني"، مضيفة: "أنا تعبت وبعاني كتير وبطلت زي قبل بخير وبصحة جيدة".
رفض الطبيب منحي تحويلة للعلاج بالخارج.. ولا أحد يتفقدني
وتنوه إلى أن أحد الأطباء رفض أن يعطيها تحويلة للعلاج، وهي في حسرة وغصة ألم تقول "أنا يا ربي إلي 13 سنة وهيني داخلة على السنة الـ 14 وأنا مصابة ولم يستمع إلى مناشداتي أحد لكي أستطيع أن السفر للخارج من أجل العلاج لأكمل حياتي كمثل أي بنت أخرى".
وتابعت الجريحة فاطمة، "أنا ضحية الانقسام ولا أحد يسأل عني أو يتفقدني، ولا أستطيع إكمال دراستي بسبب تلف الخلايا في الدماغ والنسيان، لقد (حرموني من حياتي، وحرموني من العلم وحرموني من كل شيء جميل)".
دفعنا ثمن الانقسام غاليا ولم يسأل عنا أحد
وطالبت الجريحة فاطمة القصاص، بالنظر إلى حالتها المأساوية ومساعدتها في العلاج وإكمال دراستها، لتعيش حياتها مثل السابق بدون أي معاناة ومعيقات.
وبجانب فاطمة تجلس والدتها "محاسن" فتقول، إن "الفتاة ووالدها أصيبا في وقت واحد، إذ أن فلذت كبدها كانت متجهة إلى بيت الله فأصيبت برصاصة طائشة في رأسها، وبعدها والدها في ركبته.
وأضافت، "نحن أثناء الانقسام لم يكن لنا في أي حاجة أو مع أي طرف، ودفعنا الثمن غاليا ولم يسأل فينا أحد"، مضيفة، "كانت ابنتي في غيبوبة بالعناية المركزة بمستشفى ناصر، فقاموا بنقلها إلى المستشفى الأوروبي بين الحياة والموت، وفي كل لحظة كان الأطباء يقولون لنا إنها ستموت اليوم أو غدا".
13 عاما في انتظار تحويلة علاج
وتشير إلى أنها ذهبت هي وابنتها إلى الأطباء في مستشفى الأوروبي بخان يونس لكي راجيتهم بدموع القهر واليأس بعد الفشل عدة مرات في مساعدتها في تحويلة علاج، فكل مرة تنهى كلامها بحسبي الله ونعم الوكيل بالذي كان السبب.
وفي ختام حديثها لـ"الكوفية"، طالبت الوالدة كل مسؤول وضمير حي أن ينظر بعين الرحمة والشفقة في مساعدة ابنتها في سفرها من أجل العلاج بالخارج، حتى تستطيع أن تكمل حياتها بشكل طبيعي مثل أي فتاة.