- صافرات الإنذار تدوي في عدة مستوطنات شمال فلسطين المحتلة
أرجع المؤرخون العرب القدامى الطاعون الى فساد الهواء، ويعنون به البيئة.. ورد ذلك على لسان الشاعر الأديب والطبيب لسان الدين بن الخطيب في كتابه عن المرض الهائل في منتصف القرن الرابع عشر الذي اجتاح الأرض في ذلك الوقت، وسمي عربيا بـ “الموت الجارف” وأوروبيا بـ “الموت الأسود”.. وذكره الشاعر ابن الوردي أيضا في رسالته بالتفصيل، وغيره من الكتاب والأطباء والمؤرخين، بمن فيهم ابن خلدون الذي عاصر ذلك الطاعون.
ففساد الهواء كان في نظرهم سببا في انتشار الوباء في ذلك الزمان.. حتى طاعون عمواس الذي عم بلاد الشام في زمن الخلافة الراشدة، ثم في العصر الأموي، أرجعه المؤرخون إلى فساد الهواء، ومنهم أي من بني أمية من غادر دمشق إلى الجبال هربا من الطاعون.
لكن في حالة الجائحة الحالية، فهناك من أرجعها لفساد البيئة باعتبار أن الصين موطن الفيروس، وهذا لم يؤكد حتى الآن، لكن ما هو مؤكد أن الفيروس كشف أن الفساد في الهواء والبر والبحر والنفوس البشرية أيضا.. فالكثير من الممارسات التي واكبت انتشار الفيروس تنم عن فساد داخلي ألم بالنفس البشرية المعاصرة، وفساد الأحزاب الحاكمة خاصة اليمينية، مثل حزب نتنياهو المتمسك بالحكم، والذي قلل من أهمية الكورونا أثناء الانتخابات، وكذلك الأحزاب اليمينية الشعبوية الأوروبية التي تجاهلت الفيروس وعارضت إجراءات الإغلاق ومنع التجول، وكأنها ترى في الفيروس وقضائه على المسنين في الأغلب وسيلة لتجديد شباب المجتمع وتوفير المليارات من الأموال التي تدفع للمتقاعدين.
ولاحظنا كيف أن الأنانية الحزبية تكاد تنهي الاتحاد الأوروبي، حيث باتت دول إيطاليا وفرنسا وإسبانيا في نزاع مع دول الشمال حول كيفية معالجة آثار الفيروس ماليا. أما ترامب فقد استهتر بالفيروس، ولام الصين وكابر ورفض فرض قيود على الحركة مبكرًا في بلاده، وفضل الترويج لحملته الانتخابية على مواجهة الفيروس.
فالدول تقودها فيروسات حزبية وسياسيون مشوهون أخلاقيا، تحالفوا مع الفيروس ويريدون استغلاله لمصالحهم. وهناك الرئيس اليميني البرازيلي بولسونارو حليف نتنياهو وترامب، الذي رأى في الفيروس مؤامرة لإسقاط حكمه، وما زال يرفض إجراءات الحجر الصحي التي اتخذتها الولايات البرازيلية بمعزل عن الحكومة المركزية التي تشن حملة ضد الحجر الصحي، وترفض وقف الأنشطة الاقتصادية.. حيث قال بولسونارو: إن الفيروس ليس إلا “إنفلونزا خفيفة” تقتل المرضى والكبار فقط.. وكأنه يستهتر بحياة هؤلاء.
العالم يتجه نحو العزلة السياسية وإعادة الاعتبار للدولة الوطنية القومية اليمينية في الغالب بعد الكورونا، وتفكيك منظمومات تعاون اقتصادية وسياسية، مثل الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد اللاتيني في أمريكا الجنوبية، وسيقزم الغرب لصالح الشرق، لأن الريادة الأمريكية سقطت في فحص الكورونا. فأعاجيب المرحلة الكورونية كثيرة، منها أن ترامب يطلب مساعدة نتنياهو في المعدات الطبية، والأخير يشتري بواسطة الموساد معدات طبية من السوق السوداء الأمريكية والهند وغيرهما ويشحنها إلى تل أبيب(!!). الصومال ترسل أطباء إلى إيطاليا.. تصور(!!).. دول تسرق معدات مرت في أراضيها لدول أخرى (!!) عودة القرصنة الدولية للمعدات الطبية(!!).
عالم تقوده “الولدنة” االسياسية، بلا قادة تاريخيين قادرين على الحسم. بل نجد أن الاحتلال الإسرائيلي يدفع باتجاه نشر الفيروس في الضفة الغربية عن طريق العمال، ولا يبلغ السلطة عنهم، ولا يجري فحوصا لهم، بل خلقوا عدة بؤر للفيروس في الضفة، فبعد انحسار العدوى من السياح في الضفة انفجرت قنبلة نقل العدوى من إسرائيل، حيث أن تفشي الفيروس في إسرائيل لا يمكن تصوره. وكما استغل نتنياهو حليفه الفيروس في تفكيك تحالف خصمه كاحول لافان, فإنه تحت جنح الفيروس يعمل على ضم الأغوار والمستوطنات، وهو يعلم أن حليفه الأكبر ترامب سيرحب بالخطوة الفيروسية هذه، لأن الأخير الذي فتح باب التسهيلات لمكافحة الفيروس في إيران وكوريا الشمالية رغم عقوباته ضدهما إلا أنه يرفض استئناف المساعدات للفلسطينيين رغم نداء أعضاء في الكونغرس، فالعدو الأساسي لنتنياهو وترامب هو الشعب الفلسطيني، وتحالفهما مع الفيروس ضده وارد.