الكوفية:لو تم سؤال أي سياسي، وليس مواطن عادي هل تسمح بفرض حظر تجول وحجر عام في غالبية المدن الكبرى عالميا لاعتبر السؤال شكلا من اشكال "السخرية" بالعقل البشري، وربما يفتح نيرانه للتخلص من السائل "الجهول"، غير المدرك لحقيقة الحياة، لكن حدث ما لم يكن يوما ضمن حسابات الانسان.
العالم بأجمعه، أصبح تقريبا تحت حجر من نوع جديد، خليك بالبيت، لم يعد برنامجا ترفيهيا بل هو واقع لما يزيد على 3 مليار انسان فوق كوكبنا، ومن لا يلتزم مصيره الهلاك...البيت أو الموت عليك الاختيار، هكذا بات النداء الطبي – السياسي، الذي يطلق يوميا، تكرار بلا ملل رغم انه التكرار لذات الطلب عامل منفر أي كان الأمر.
منذ بداية فبراير، وبعد أن خرجت المعلومات واضحة عن وجود "فايروس جديد" منح لقبا سهل التداول "كورونا"، والعالم في دوامة ربما لم يعرفها منذ بداية وجود الانسان، حالة كشفت واقعا مثيرا للتساؤل والدهشة.
كورونا، بدأ التحدي للقدرات البشرية وطبيعة القيم الإنسانية وأنظمة الحكم، ومقدرتها على مواجهة خطر ليس ضمن "الأخطار" المجدولة على قائمة مراكز الأبحاث ومناظرات البعض السياسي وخبراء الكلام، خطر قفز فجأة ليصبح سؤال امتحان القدرة دون نص تقليدي.
وما ان أعلنت الصين عن انطلاق معركتها مع "الخطر الكوروني" العدواني، وعبر سلسلة من الإجراءات التي لم تكن ضمن "مقاسات" مؤسسات قانون وحقوق معلومة، ومصاغة بعد الحرب العالمية الثانية لخدمة مشروع جوهره استلاب الروح الإنسانية، وتحويله الى ترس في عالم قدرته مقيدة بمصلحته واستهلاكه، حرب صوتية بدأت تنطلق من بلدان العداء العام للتجربة التي أعادت للصين مجدها "الإمبراطوري القديم".
ولأن زمن الحرب مع العدو ليس زمنا للجدل الخارج عن سياق المعركة الكبرى، لم تقف الصين لتناقش بل ذهبت مباشرة للمواجهة بما تراه ضرورة على عدو طاغ وشعارها "النصر أو الموت"...وكان الاستبداد الصيني الذي اثار حفيظة أعداء التجربة هو الطريق الوحيد خيارا.
ووسط الحرب الصينية على "الخطر الكوروني" انتشر الاستخفاف في دول غيرها، ولم تدرك أن القادم الجديد ليس "مزحة عابرة" في التاريخ، الى أن بدأت حركة الغزو وأخذت تطيح بالمئات بين ضحايا واصابات، لا تعرف تمييزا بشريا أو جغرافيا، غزو فاق بسرعته قدرة النظم على المواجهة، فكانت الخسائر الإنسانية – الاقتصادية التي لم يحسب لها حسابا، فأجبرت نظم ودول على الذهاب الى "النموذج" الصيني سبيلا للخلاص.
بدأ انحسار الغزو الكوروني في الصين بفضل "الاستبداد السريع"، تضحية ببعض ما هو "حق خاص" لتربح البشرية حق عام...بين بعض حق فردي أو بعض عام وحق الحياة، اختارت الصين العمل على حق الحياة، وحققت نصرا ربما سيكون ملامح مرحلة قطبية جديدة لعالم يكسر قواعد خلقتها الحرب العالمية الثانية، عالم له سمات تختلف كثيرا عما هو اليوم.
أوروبا التي كانت أكثر المنتقدين للطريقة "الاستبدادية" الصينية لمواجهة الغزوة الفايروسية، هي أكثر من دفع ثمنا لحالة الاستخفاف بخطر داهم، ومعها دول تعاملت مع الأمر كحدث عارض، حتى أن الرئيس الأمريكي خرج ليعتبر أن موتى الانفلونزا أضعاف هذا "الفايروس"، في استخفاف نادر، حتى وصل الى أمريكا وفجأة بدأت حركة الاستبداد بأسرع مما فعلت الصين، وذهب الرئيس التائه، بحرب على الصين لأنها لم تقدم لهم المعلومات الكافية، بل حاول أن يوجه ضربة بتسميته "الفايروس الصيني"، كاشفا عن جهل علمي فريد.
وأصبح "الاستبداد" فجأة مطلب شعبي، والحاكم الذي لا يتأخر في فرض كل وسائل الحظر أصبح فاشلا، بات مقياس التأييد والقبول فرض وسائل "الاستبداد" لوضع حد لهذا العدو الذي لا صديق له، فالبشرية بكاملها عدو له.
الاستبداد الديمقراطي، أصبح رغبة وطلبا، ويبدو ان زمنه لن يكون أياما كما تشير ملامح الحالة العدوانية، ما سيفرض "نمطا حياتيا جديدا"، سيرسم ملامح تغيير تاريخي للبشرية، وربما يرسم مراكز قوى ليست تلك التي كانت ما قبل يناير 2020...
الاستبداد لم يعد فعلا مكروها، بل فعل مطلوب مرغوب...كسر طبائع إنسانية سائدة تغييرها كان دربا من "خيال"...باتت واقعا ملموسا ليس في عالم ثالث بل في كل أنحاء المعمورة، باريس أصابها ظلام مفاجئ فارغة من البشر...لندن غارقة في هدوء، كاليفورنيا لم تعد صاخبة، ونيويورك سارعت لتتماثل مع العاصمة الأردنية بفرض حظر التجوال...
ويبقى السؤال، هل يصنع "الاستبداد الديمقراطي" المحبوب اسسا جديدة للحياة الإنسانية ونظمها، بديلا لمظاهر وسلوك مصدرها "الهلع" وليس الوعي...هل تنتصر إنسانية زمن الكورونا على وحشية زمن الاستلاب القديم... تلك هي المسألة الأكثر عمقا.
ملاحظة: 21 مارس...يوما للربيع ويوما للأم ويوما لكرامة الفلسطيني بعد معركة منحت الثورة المعاصرة مجدا 1968..لشهداء الثورة سلاما ولكل أم سلاما ولروح أمي التي لا تغادرني سلاما!
تنويه خاص: كان غريبا أن يهاتف رئيس حركة حماس إسماعيل هنية الرئيس التركي ليطلب منه مساعدة أهل قطاع غزة ضد كورونا...كان عليه أن يهاتف عباس أولا وعربا ثانيا ...سلوك لا يليق بفلسطيني أي كان صفته ومنصبه!