د. أيمن سمير
الكوفية:ربما لا توجد دولة عربية أو إسلامية ساعدت إسرائيل أكثر من تركيا، وهي أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل عام 1949، أي بعد قيام إسرائيل بشهور قليلة، وإذا كان السلطان عبد الحميد الثاني أكثر السلاطين العثمانيين دعمًا لقيام إسرائيل من خلال طرد العرب من فلسطين وتوطين الإسرائيليين الذين زاد عددهم في عهده ثلاث مرات، فإن دعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيسجل بأنه أكثر رئيس تركي – منذ اتفاقية لوزان 24 يوليو 1923 التي حددت حدود تركيا الحالية – دعمًا لإسرائيل في جميع المجالات والقطاعات، لكن ربما لم يتوقع أحد أن يكون الدعم العسكري الأردوغاني السخي لإسرائيل يصل لمرحلة بناء قواعد عسكرية إسرائيلية في الأراضي التركية، فما هي القواعد العسكرية الإسرائيلية على الأراضي التركية؟.. وكيف تتدرب الطائرات الإسرائيلية في صحراء الأناضول الواسعة من أجل دقة التصويب على غزة؟.. وما هو دور ميناء جيهان التركي في ضمان تزويد الدبابات الإسرائيلية بالنفط ؟
60 اتفاقية بين تل أبيب وأنقرة
تشكل فترة حكم أردوغان وحزب العدالة والتنمية التي بدأت منذ 2002 وحتى الآن العصر الذهبي للعلاقات العسكرية الإسرائيلية ـ التركية، حيث وقع الرئيس التركي 60 اتفاقية عسكرية مع إسرائيل منذ وصوله للحكم، وسمح باستخدام عدد كبير من القواعد العسكرية التركية، وبناء قواعد عسكرية خاصة بإسرائيل في تركيا، خاصة القاعدتين في قونيه وأزمير، والسماح باستخدام قاعدتي دياربكر و إنجرليك التابعتين للناتو، كما قامت إسرائيل بإنشاء “قاعدة للإنذار المبكر” في كوراجيك بمدينة ملاطيا، وهي القاعدة التي تمد إسرائيل بآلاف الصور والمعلومات الإستخباراتية عن الدول العربية والنشطاء الفلسطينيين في المنطقة، وتقدم هذه القاعدة المعلومات بسرعة فائقة للجانب الإسرائيلي، كما تعد هذه القاعدة التي تأسست عام 2010 وبدأت العمل فعليًا في يناير 2012 أهم القواعد الإسرائيلية التي تقدم معلومات تجسسيه لصالح إسرائيل في المنطقة، وتعمل الرادارات في هذه القاعدة بالتناغم الكامل مع الرادارات التركية والرادارات التابعة لحلف الأطلنطي بهدف تقديم أفضل خدمة معلوماتية لإسرائيل، وتتميز الرادارات التي نصبتها إسرائيل في هذه القاعدة بالقدرة على الإنذار المبكر، وتنبيه الدفاعات الجوية الإسرائيلية لتشغيل أنظمة الدفاعات الأراضية، كما تعمل الأجهزة الإسرائيلية في هذه القاعدة بغض النظر عن مساعدة الأقمار الصناعية العاملة معها في المنطقة، حيث تستطيع قاعدة إسرائيل للإنذار المبكر في تركيا العمل في نفس الوقت الذي تتعطل فيه الأقمار الصناعية، أو حتى في حالات عدم اكتشاف الأقمار الصناعية للصواريخ المعادية، وما يؤكد القيمة العالية لهذه القاعدة الإسرائيلية في ملاطيا أن الرادارات الإسرائيلية الأخرى لا تستطيع كشف الصواريخ القادمة من الشرق، لذلك تقوم القاعدة الموجودة في كوراجيك باكتشاف أي صواريخ قادمة من الشرق حتى الأراضي الأفغانية، وربما الغريب في هذا النظام أنه لا يقدم ذات الخدمة، وهي الإنذار المبكر للدولة التركية والجيش التركي إذا ما واجه نفس التهديد، لأن تركيا لا تمتلك نظامًا جويًا تنقل إليه هذه الإنذارات، وهو ما يؤكد أن الهدف الأول والأخير لهذه القاعدة هو خدمة الأمن الإسرائيلي.
الميثاق الشبح
ويعد إنشاء قواعد الإنذار المبكر الإسرائيلية في عهد أردوغان استمرارًا لاتفاق سري بين أنقرة وتل أبيب عرف باسم “الميثاق الشبح” في خمسينيات القرن الماضي، وظل طي الكتمان عقودا من الزمن، ويتضمن تعاونًا عسكريًا واستخباريًا ودبلوماسيًا، ولعب هذا الاتفاق دورًا كبيرًا في حصول إسرائيل على معلومات إستخباراتية هامة عن الدول العربية، خاصة أثناء حروب العرب مع إسرائيل حيث كانت السفارات التركية في العالم العربي تتجسس لصالح إسرائيل، وضمن هذا الاتفاق ساعدت إسرائيل الأتراك في عملية اعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان عام 1999 في كينيا.
الذي يجب أن نتوقف أمامه هو أنه في الوقت الذي يتباكى أردوغان يوميًا على الأزمات العربية، وخاصة القضية الفلسطينية، يدعم آلة الحرب الإسرائيلية بالقواعد العسكرية والتدريب والمناورات المشتركة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.