- مراسلنا: طائرات الاحتلال تشن غارة عنيفة على بلدة الغازية جنوب مدينة صيدا
- مراسلنا: غارات عنيفة على مدينة بعلبك وبلدات بوداي والسفري في البقاع الشمالي
- ارتفاع عدد الشهداء إلى 6 جراء قصف طائرات الاحتلال مدرسة التابعين التي تؤوي نازحين في مدينة غزة
بعد مرور بضعة أيام على زيارة التعزية التي أداها وفد حماس الى سلطنة عُمان؛ بدأت تُسمع أصداء التعزية، بتعلية المسألة الى مستوى محاولة المس بوحدانية تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من المظهر الإنقسامي الذي ارتسم من خلال سفر وفدين فلسطينيين؛ إلا أن ما حدث ينبغي أن يفتح نقاشاً في اتجاه آخر، يذهب الى تحميل المسؤولية لكلا الوفدين، وللأطراف الإقليمية الصديقة لهما، وهي ثلاثة، إثنان منها ـ وهما قطر وتركيا ـ لهما دالّة على الطرفين، والثالث ذو دالة على حماس، طالما أن مأتمه هو مأتمها، ومطولاته في الرثاء، هي مطولاتها، وبالمفردات نفسها التي رأت في سليماني شهيد القدس وصقر الممانعة!
يجدر التنويه، بدايةً، الى أن كون التعزية الفلسطينية جاءت عبر وفديْن؛ لا يؤشر من حيث المبدأ الى قرصنة الطرف الفصائلي على الطرف الرسمي. لقد كان لافتاً أن العديد من الوفود، ذهبت للتعزية من بلد واحد، دونما تأويلات. فرئيس وزراء بريطانيا لم يكن في وفد قصر باكنغهام، الذي ترأسه ولي العهد، وعلى ذلك قِس في تعازي جاءت باسم العديد من الدول وأخرى باسم مكونات فيها، دون أن تُعتبر الثانية قد زاحمت الأولى. ولكن لأن الطيف السياسي الفلسطيني منقسم، انفتح باب التأويل تلقائياً، والسبب هو الإنقسام الفعلي. ذلك على الرغم، من أن مناسبات الموت والمرض، كانت تفتح بين الحين والآخر، فرص التهاتف بين عباس وحماس. طرف يواسي الآخر في مصابِه. بالتالي لم يكن صعباً أن يواسي الطرفان، معاً، طرفاً ثالثاً فيما أصيب، طالما أنهما استشعرا وجوب التعزية بقطع النظر عن السياسة. فالجنازات تجمع المتخاصمين. فقبل نحو ثلث القرن، سمعنا تعبير "ديبلوماسية الجنائز" عندما تصافح أعداء يحضرون جنازة واحدة، حتى وصل الأمر في جنازة البابا يوحنا بولس الثاني، في إبريل 2005 أن صافح الرئيس الإسرائيلي موشي كتساب، الرئيس الإيراني محمد خاتمي وتحادث الإثنان كأيرانيينْ، فلم يتردد بشار الأسد في مصافحة كتساب، وانتقلت العدوى في ذات اللجظة الى الرئيس الجزائري بوتفليقة!
واقعة التعازي الفلسطينية، تذكرنا بأمر يكمن وراء المظهر الإنقسامي، ويستحق الدراسة السوسيولوجية، باعتباره يؤثر على سلوك المنقسمين. فقد بدا، على وجه اليقين، أن كثيراً من تعبيرات الإنقسام، تستحق التناول في ميادين بحثية أخرى من العلوم الإنسانية، غير السياسة ومساقاتها. ففي السياسة، نقول إن هناك منظمة تحرير فلسطينية، كممثل شرعي وحيد، بصرف النظر عن الإجابة عن السؤال" أين هي، وكيف أحوالها؟ فالمنظمة عنوان لا بديل له حتى إحراز الدولة الفلسطينية مؤسساتها. بالمقابل، هناك الكثير من الدلائل، على أن حماس، منذ انتخابات يناير 2006 ارتكبت خطأ لا يمكن تعليله بضآلة ثقافة الدولة لديها. فما حدث أنها عندما فازت بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي، تصرفت كأنها فازت بالكيان الفلسطيني وليس بحكومة له، ذات ولاية محدودة وشروط دستورية. بل، وهنا المفارقة، تعاملت مع فوزها، بمنطق الإنقلاب على الصيغة نفسها التي جرت الإنتخابات بناء عليها، وقررت أن غزة، هي منصة الإنطلاق باستراتيجية أخرى، تتوخى تحرير فلسطين من النهر الى البحر. لقد فعلت كمن ينزل الى الملعب لخوض مباراة في كرة القدم، بقوانين كرة السلة. اللعبة الأولى من شوطين، والفريق أحد عشر لاعباً، أما الثانية فهي من أربعة أشواط والفريق خمسة لاعبين، والأولى بالقدم والثانية باليد. ربما كانت الغواية في كون كرة السلة تتيح للاعب العنيف البقاء ما لم يجاوز خمسة أخطاء جسيمة، بينما في كرة القدم، تُرفع البطاقة الحمراء في وجه من يرتكب خطاً صارخاً، مرة واحدة!
لكل لعبة قواعدها، ومن يدخل الى غير لعبته، يُعرّض نفسه للسخرية ويجعل المباراة أشبه بلعبة الأطفال، عندما يتقاذفون بشكل فوضوي، كُرة بلا مقياس، على شاطيء البحر.
الأنكى، أن العدو يتفرج ويتوسع على الأرض، ولا زال يجعل فريق كرة القدم نفسه، يؤدي المباراة بقوانين السلة. فلا "منظمة" مرئية، ولا أرضية للعب، سواء كانت مجلساً للتشريع والرقابة، أو قوانين مرعية. لذا حتى في حال الموت عندنا، لا يعلم الفلسطينيون أين وكيف يكون النعي، والى أية أروقة أو مؤسسة سيقف الناعي ويتلو بيانه.
في غمرة حُزن الإخوة العُمانيين وأصدقاء السلطان، بدا أنهم مطمئنون الى مستقبلهم، ويفخرون بما أنجزوه. جلسوا بكل تجليات النظام وتمامه، داخل صرح "مجلس عُمان" بهندسته البديعة، لكي يوفوا الراحل حقه عليهم.
أما الذين لا يعرفون رأسهم من عجيزتهم، فمن الطبيعي حتى عندما تتعدد وفودهم في التعزية، أن يفتحوا على انفسهم وابلاً من الكلام!