- غارة جوية إسرائيلية تستهدف حي الجنينة شرقي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة
- إصابات في استهداف طيران الاحتلال منزلاً لعائلة الخالدي بمخيم الشاطئ بقطاع غزة
- قصف مدفعي مكثف على حي تل الزعتر شمال شرق مخيم جباليا شمال قطاع غزة
في خضم حرب شعواء يشنّها جيش الاحتلال على غزة، حرق ودمر وقتل، واكتفى العالم بأنظمته ومنظماته بالشجب والوقوف موقف المتفرج، على احتلال ينتهك واجبه الأساسي بحماية المدنيين القابعين تحت سلطته، في انتهاك صارخ لمبادئ قانونية وأخلاقية ودينية، وفي إسقاط لمنظومة القانون التي تغنى بها عالم المؤسسات، الذي جاء بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي إطار مؤامرة متكاملة الأركان، حيكت ضد الشعب الفلسطيني منذ عقود، يكشف الاحتلال اليوم صراحة عن أهدافه، فضم للضفة وإعادة احتلال عسكري لغزة، وإلغاء لدور وكالة غوث اللاجئين في الأراضي المحتلة، كلها خطوات تكمل المشروع الذي تجسد في العام ١٩٤٨، واستكمل على مراحل، ونحن اليوم نقف على أعتاب مرحلة متقدمة جداً من تلك المراحل.
ولم يأتِ تصويت الكنيست على عزل وكالة الغوث المعروفه بـ»الأونروا» عن سياق عملها في الأراضي المحتلة، إلا خطوة أخيرة في ظل سلسلة من الخطوات التي نفذها الاحتلال لتقويض مكانتها، في ظل صمت دولي مشبوه.
جاء تصويت الكنيست قبل يومين على قرار يحظر عمل «الأونروا» في القدس، وإلغاء الاتفاقية الموقعة بين المنظمة الدولية ودولة الاحتلال في العام ١٩٦٧، والتي تسمح بعمل وكالة الغوث في الأراضي المحتلة، في غزة والضفة، بما فيها القدس، ليلغي وجودها وعملها وخدماتها نهائياً فيها.
وبدأت حكومة الاحتلال مسارها القانوني لإقصاء الوكالة وعزلها في الأراضي المحتلة منذ شهر أيار الماضي. فالاتفاقية الموقعة بين حكومة الاحتلال والوكالة الدولية هي التي تسمح لها بالوجود في الأراضي المحتلة، وتمنح موظفيها ومبانيها الحصانة الدبلوماسية والحماية القانونية، كما تعطيها الامتيازات التي تتعلق بفتح الحسابات البنكية، واستئجار أو امتلاك المباني، وتعيين الموظفين العاملين فيها.
لم تأتِ هذه الخطوة بمعزل عن خطوات بدأها الاحتلال في محاربة «الأونروا» منذ سنوات.
لا يعتبر هدف الاحتلال بعزل دور الوكالة جديداً، فيتهم الاحتلال الوكالة بـ «إدامة الصراع» بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بإبقاء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حاضرة، للتذكير بها بهدف فرض حل لها.
ويرفض الاحتلال تعريف اللاجئ الفلسطيني، الذي تتبناه الوكالة، ويشمل الملايين من أبناء وأحفاد اللاجئين الفلسطينيين بعد العام ١٩٤٨، ويريد قصره على اللاجئين الفعليين، الذين لم يعد معظمهم على قيد الحياة.
كما يتهم الاحتلال الوكالة بالتحريض من خلال المناهج التعليمية التي تدرس في مدارسها، وهي ذات التهمة التي يوجهها للسلطة الفلسطينية من خلال المدارس التابعة لها.
وفي مطلع العام ٢٠١٨، في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حجبت الولايات المتحدة مساعداتها المالية عن الوكالة، وهي التي تساهم في دعم معظم ميزانيتها، متبنية مقاربة الاحتلال حول دورها.
ورغم عودة التمويل الأميركي لـ»الأونروا» بعد وصول بايدن للحكم، إلا أن مقاربة الولايات المتحدة حول دور الوكالة لم يتغير.
وتسعى حكومة الاحتلال للسيطرة على مقر وكالة الغوث الرئيس في حي الشيخ جراح في مدينة القدس، الذي توجد به منذ خمسينيات القرن الماضي، عندما بدأت مهامها في فلسطين.
ومنحت الحكومة الأردنية المبنى آنذاك للوكالة لإقامة مقرها فيه. وتدعي حكومة الاحتلال وقوع المبنى ضمن دائرة سلطتها، وتطالب الوكالة بملايين الدولارات، كإيجارات متراكمة منذ عشرات السنين.
وطالما اعتدى المتطرفون الإسرائيليون على مقر الوكالة الرئيس.
وسربت صحيفة إسرائيلية قبل عده أسابيع نية الحكومة مصادرة مقر الوكالة لبناء تجمع استيطاني جديد يضم مئات الوحدات الاستيطانية.
واليوم، صدر قرار الكنيست الذي يسلب الوكالة لمكانتها القانونية وحصانتها الدبلوماسية التي ساعدتها على الاحتفاظ بالمبني طوال تلك السنوات الماضية.
واستهدفت حكومة وجيش الاحتلال سمعة ومكانة مؤسسات وموظفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في غزة بشكل مباشر، منذ بداية حرب الإبادة التي تشنها على القطاع وسكانه منذ شهر أكتوبر الماضي.
وزعمت حكومة الاحتلال منذ بداية عدوانها على غزة تورط عدد من موظفي وكالة الغوث في هجمات السابع من أكتوبر، وقررت إثرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا وعدد آخر من الدول تعليق تمويلها للوكالة بشكل مؤقت.
إلا أن عدداً من الدول أعادت دعمها للوكالة فيما بعد، بما فيها الاتحاد الأوروبي، بعد أن أثبتت لجنة التحقيق الأممية أن الاحتلال لم يستطع تقديم أدلة على ادعاءاته.
في بداية الحرب الأخيرة على غزة أكد وزير خارجية الاحتلال أن حكومته ستسعى لمنع الوكالة من العمل في القطاع بعد انتهاء الحرب.
وفي شهر كانون الأول الماضي صدر تقرير عن وزارة خارجية الاحتلال يتناول بالتفصيل ذلك الهدف المعلن.
خلال حرب الإبادة على غزة، واصل جيش الاحتلال استهداف مقرات وموظفي وكالة الغوث في غزة، كما استهدف مدارسها، التي لجأ إليها الفلسطينيون طلباً للأمان تحت وطأة قصف منازلهم ومرافق القطاع الرئيسة، إلا أن معظم تلك المدارس لم تسلم من الاستهداف المباشر من قبل الاحتلال، والذي خلف آلاف الضحايا.
وقد يكون الأمر الأشد تعقيداً، ذلك الذي يتعلق بدور الوكالة في توزيع الاحتياجات الأساسية للغزيين، في فترة الحرب، وأهمية ذلك الدور لا يتعلق بها فقط، بل بالتسهيلات التي تقدمها للمنظمات والمؤسسات الأممية والدولية الأخرى، بحكم انخراطها الطويل بالعمل في القطاع، وعدد موظفيها الذي تجاوز الـ ١٣ ألف موظف، الذي أدى لاعتماد تلك المنظمات والمؤسسات عليها.
أدى ذلك الاستهداف المباشر لوجود «الأونروا» في غزة لتفاقم معاناة الفلسطينيين وتعقيد عمليات حصولهم على المساعدات الغذائية الأساسية، بعد تقليص دور المنظمة الأممية في توزيع وتنظيم هذه العملية خلال هذه المحنة المعقدة، وشل قدرتها على العمل ومساعدة الفلسطينيين، في ظرف لم يمر به الشعب الفلسطيني منذ العام ١٩٤٨ والعام ١٩٦٧. وتشهد الساحة الغزية تغييباً ممنهجاً لتنظيم توزيع المساعدات والمواد الغذائية من قبل جيش الاحتلال، تحت وطأة القصف والاستهداف المباشر لمخازن وكالة الغوث وشاحنات نقل الأغذية التابعة لها وموظفيها، في إطار مساعٍ أوسع لاستهداف أي جهة تحاول القيام بتلك المهمة. فاستهدف جيش الاحتلال أيضاً رجال الشرطة والدفاع المدني ومقر البلديات وموظفيها ومعداتها والمستشفيات والأطباء والمسعفين وسيارات الإسعاف، لخلق فراغ وفوضى يضاعف معاناة الفلسطينيين.
تقدم وكالة الغوث خدمات لأكثر من ٦ ملايين لاجئ فلسطيني، موزعين على أربع دول عربية بالإضافة لفلسطين. وهناك أكثر من ١٨٠ ألف لاجئ في القدس وضواحيها سيتضررون بشكل مباشر من قرار الكنيست الأخير، كما سيتضرر ٨٠٠ ألف لاجئ في الضفة الغربية. ناهيك عن مساعي الاحتلال لإنهاء وجود ودور الوكالة في غزة بشكل تام، في ظل تصريحاتها المعلنة بنيتها إعادة احتلال القطاع والسيطرة على مستقبله.
وتأتي تلك المساعي في ظل مخطط أكبر يتنكر لحالة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، ولحق الفلسطينيين بتقرير المصير والتحرر من احتلال ممتد لعقود طوال، وفرض واقع سياسي وقانوني على الأراضي المحتلة، ينسجم مع مخططاتها وسياساتها التي سعت لتغيير واقع الأراضي الفلسطينية المحتلة تاريخياً وجغرافياً وديموغرافياً بالقوة.
في الختام، لعله من المفيد إعادة تذكير العالم اليوم بأن قرار تقسيم فلسطين من قبل الجمعية العامة في العام ١٩٤٧، كان مقدمة لحرب تمكنت من خلالها المنظمات اليهودية المدعومة غربياً من ضم أكثر من نصف أرض فلسطين، وتهجير نصف سكانها في العام ١٩٤٨. رغم أن ذلك القرار غير ملزم، وجاء من قبل جهاز تخطى دوره ومهمته، في عهد طغى فيه نفوذ الدول الاستعمارية على قرار الجمعية العامة.
وفي العام ١٩٦٧، ورغم صدور قرار من مجلس الأمن رقم ٢٤٢، الذي دعا الاحتلال للانسحاب من غزة والضفة وأراضٍ عربية أخرى، إلا أن ذلك المجلس لم يتحرك ليجبر إسرائيل، التي خرقت الأمن والسلم الدوليين، وهي المهمة الرئيسة التي جاءت الأمم المتحدة من أجلها، على الانسحاب من الأراضي المحتلة. على الرغم من أن ذلك المجلس قد نجح بتفعيل دوره التنفيذي وأصدر قرارات نافذة في حالات أخرى.
واليوم وأمام انتهاك قانوني فاضح لالتزامات حكومة الاحتلال تجاه المدنيين الفلسطينيين القابعين تحت سيطرتها العسكرية، يقف العالم متفرجاً على حرب إبادة تحدث أمام أنظار العالم في غزة.
إننا اليوم نقف أمام انهيار صارخ لمعايير وقواعد سعى العالم الغربي لترسيخها بعد الحرب العالمية الثانية، فهل نحن على أعتاب مرحلة جديدة؟