بعدما أنهى وفدي فتح وحماس مناقشة ما يقال إنه مقترح لتشكيل "إدارة مدنية" في قطاع غزة تتعايش والتطورات العسكرية الاحتلالية، ومغادرتهما كل في طريق المكان، غاب الوضوح وسادت الضبابية، فيما كان بينهما، وما سيكون لاحقا.
ربما يمكن القفز عن عدم تقديم فتح وحماس، بيانا محددا حول جوهر النقاش، ولكن ما ليس مقبولا أبدا، ألا تتحول قضية مقترح القاهرة جزءا من نقاش عام، وخاصة بين المكونات المختلفة، فصائل وتنفيذية، كونه يمس المستقبل الوطني ليس في قطاع غزة فقط، بل وجوهر الكيانية الفلسطينية، وما يرتبط بها.
ليس مفهوما أبدا أو مبررا، تجاهل النقاش العام حول أحد أخطر أو أهم المقترحات التي تتعلق بالقضية الفلسطينية، في مرحلة ما بعد "العهد العرفاتي"، كونه يضع محددات لواقع خاص لقطاع غزة، ويقدم طريقا مؤلما سياسيا لحل لا يتفق في جوانبه مع الرؤية الوطنية العامة، لكنه يفتح الباب لوقف أوسع حرب إبادة ضد أهل القطاع، بعدما تبين غياب أي طريق غير الطريق الأكثر إيلاما، لغياب كل الأدوات الممكنة عربيا وفلسطينيا ودوليا.
ليس واضحا ابدا لما تتجاهل فتح بكونها "لا تزال" تملك قرار الرسمية الفلسطينية، وضع المقترح المؤلم لنقاش وطني عام، والبحث فيما يمكن تسميته بـ "أضرار أقل وطنيا"، والشكل الأكثر ملائمة في التعامل مع تشكيل "الإدارة المدنية"، وهل المشاركة الفصائلية بها فرض سياسي، أم البحث عن "سبل تشاركية أخرى"، بما يقطع الطريق أن تصبح أداة طعن في الظهر الوطني، وفقا لمشروع تهويدي يجد صداه أمريكيا، بمسميات متعددة تحت "نقاب التصليح".
سلوك حركة فتح في التعامل مع المقترح الخاص بتشكيل "إدارة مدنية"، وكأنها لا تقيم وزنا لمناقشة سوى تحت ضغط "غير فلسطيني"، ومع فصيل تم اختياره من قبل الضاغطين عليها، يمثل رسالة وهن وضعف أصابها، وفقدان لما تميزت به من قيادة الدفة السياسية في لحظات مصيرية أشد خطرا، علامات ستترك أثرها على المشروع الوطني بكامل مكوناته، لن يمنع انحداره "بيانات الوقت الضائع" لاحقا.
ربما، قيادة فتح سقطت في بحر السهو عن البدء بالنقاش الوطني العام، فما الذي يمنع مختلف المسميات الفصائلية طلب ذلك علانية، بل ومساءلة الرئيس محمود عباس بصفاته المتعددة، عما حدث وإلى اين يذهب، وهل اختار "حماس شريكا" لتقاسم وظيفي خاص في قطاع غزة كبديل عن الرسمية القائمة، وبدأت رحلة التشكيل المتوافق وترتيبات اليوم التالي لحرب غزة، ضمن الرؤية الأمريكية لـ"سلطة مستحدثة"..؟!
صمت الفصائل عن سلوك فتح بعد مناقشة مقترح جديد مع حماس حول ترتيبات لاحقة لقطاع غزة، دليل مضاف بأنها لم تعد ذات قيمة سياسية مؤثرة، وأنها تحولت إلى مكونات رقمية لا أكثر محددة الكلام، والفعل، أي كانت نواياها الخاصة، أو الادعاء الجعجعي بأنها ارقام لا قفز عنها أو عليها.
كان يمكن مطالبة "تنفيذية منظمة التحرير" ورئاسة المجلس الوطني القيام بذلك الدور، لكنها فقدت كثيرا من مكانتها التأثيرية، وكل ما يمكن أن يكون منها بيانات تائهة المضمون.
"الهروب الصامت" من المستحق السياسي يمثل عمليا، شكلا من أشكال رفع اليد عن المسؤولية الوطنية وخاصة تجاه قطاع غزة، وتنازلا بطريقة ما عن "التمثيل الرسمي"، الذي يتذكرونه فقط فيما يتعلق بامتيازات تعود لهم وليس لشعبهم.