- جيش الاحتلال يطلق قنابل إنارة بالأجواء الجنوبية لمدينة غزة بالتزامن مع إطلاق نار من آلياته العسكرية
عندما وطئت أقدام الساسة الصهاينة أرض فلسطين، قادمين من الشتات، لم يجدوا سوى بضعة رموز يهودية تقليدية ومضامين دينية قليلة، مثل “المنورا” (الشمعدان الذي بات شعار كيانهم) وشمعدان الحانوكا وعيد الشعلة، لا تكفي لتسويق يهوديتهم أمام العالم وربطهم تاريخياً بما اغتصبوه، فرجعوا لنصوص منتقاة بالتوراة والتلمود والقبالة (التراث اليهودي) و”الهالاخاة” (الشريعة اليهودية)، رغم عدائهم للدين، لتوظيفها في تنفيذ مشروعهم الاستعماري الإحلالي الاستيطاني على أرض أصحابها الفلسطينيين.
وجد الساسة الصهاينة نفس الإشكالية مع القدس، التي نظروا إليها كأداة توسعية و”بوتقة” صهر لجذب أطياف المستوطنين المتناثرين في أصقاع العالم، فرجعوا إلى “الرزمة” الدينية المزعومة لتغذية شعور العصبية القومية لديهم، وتعزيز مكانة المدينة في وجدانهم، برواية صهيونية قائمة على الأساطير الزائفة.
انسحبت مزاعم “الوعد الإلهي” و”أرض الميعاد” في “أرض إسرائيل التاريخية” على القدس أيضاً، عبر ترسيخ مفاهيم العودة للأرض المقدسة واتخاذ القدس “أورشليم” عاصمة لدولتهم وبناء “الهيكل” المزعوم فيها، بعد تحوير الاحتلال إلى “تحرير” واعتبار ضم الجانب الشرقي منها بمثابة “التوحيد”، وإطلاق التسميات الدينية عليها مثل مدينة الله، ومدينة داوود، ومدينة صهيون.
ولكن الحقيقة تقول؛ لا قدسية للقدس عند اليهود، رغم ما تضمنته التعاليم اليهودية من تبجيل وتقديس للمدينة و”الهيكل”، وإنما كان لها بالنسبة إليهم وضعاً سياسياً معيناً في التاريخ، يريدون تحويله إلى نصوص دينية مقدسة، وهذا ما أكدته التوراة نفسها.
فلم تُذكر القدس في أسفار التوراة الخمسة، توراة موسى عليه السلام، ولم ترد على لسان الأنبياء والآباء اليهود في العالم، حتى بعد فترة “يوشع بن نون” عندما دخل فلسطين وقسم أرضها بين (الأسباط) القبائل اليهودية الإثني عشر (وفق ما ورد في سفر يشوع)، حيث لم يتم فعلياً احتلال المدينة لما يقرب من 200 سنة من دخوله إليها.
وقد اختيرت القدس عاصمة الدولة أثناء ملك داوود عليه السلام لأسباب جغرافية وسياسية وليست دينية، فيما يشير التاريخ إلى نشوب حروب طاحنة بين مملكة إسرائيل (سماريا) في شمال فلسطين التي اتخذت نابلس عاصمة لها، ومملكة يهوذا في القسم الجنوبي منها وعاصمتها القدس، ولو كان للقدس قيمة دينية عندهم لما تجرأوا على سرقتها ونهبها وتخريب الهيكل فيها.
ومن هنا تأتي شروحات التوراة والتلمود و”المشناه” (الشريعة الشفهية التي يزعم اليهود أنها نزلت على موسى عليه السلام) عن القدس، وهي ليست مربوطة بنصوص دينية وإنما تورد ذكريات القوة والسيادة والحرية الواردة في المزامير (أحد أسفار العهد القديم) والتي تتغنى بمرحلة السيادة بين عبوديتين، حيث كان اليهود قبل القدس عبيداً في مصر وبعدها عبيداً في بلاد الرافدين، وفق مزاعمهم.
وينطبق ذلك على “الهيكل” المزعوم الذي تعرض للتخريب والهدم على أيديهم، في وقت لا يعترفون فيه بسليمان عليه السلام نبياً وإنما ملك، بينما خلصت الدراسات التي أعدتها جماعات بريطانية وفرنسية إبان تنفيذ عمليات مُضنية من البحث والتنقيب منذ العام 1865 إلى عدم وجود أي أثر للهيكل خلافاً لما ذكرته التوراة.
إن سرقة الأرض والتاريخ، ومساعي استلاب الهوية والحضارة، لن يمنح حقاً، بل يُنتج كياناً صهيونياً “طُفيلياً” يتغذى من خارجه، ولكنه لا يملك مقومات بقاء حياته واستمراريته، فالأرض ستلفظه حتماً.