أكتب هذا المقال بحقّ الجزائر في أعقاب اهتمام عدد من المبعوثين الإعلاميين الأجانب اللذين استهجنوا قبل أيام وتساءلوا عن سرّ اهتمام الجزائر بقضايا الأسرى الفلسطينيين عبر ملاحق يومية وأسبوعية في الصحف والجرائد الجزائرية، ومواقع الإعلام العامة، الأمر الذى يجعلنا نفكّر جدّياً بهذه القضية المهمة كتجربة نضالية وإعلامية ودبلوماسية ناجحة لوزارة الخارجية الفلسطينية، وللسفارة الفلسطينية في الجزائر، وللجزائريين مثقفين وصحفيين وقيادة وشعب حرّ.
أعتقد أنّه ليس غريباً ولا جديداً علينا مواقف الجزائر التاريخية شعباً وقيادة وحكومة بحقّ الشعب الفلسطيني وقضيته ومعتقليه، كونه الوطن الثاني للفلسطينيين بتبنّي قضاياه وحالة المساندة والدعم القديمة الحديثة لمسيرته التحرّرية والنضالية، فالجزائر النموذج العربي الاستثنائي في تعزيز صمود وتضحيات الفلسطينيين على طريق تحرير وطنهم ومعتقليهم والعيش بحرية وسيادة وكرامة كباقي الشعوب.
وتاريخياً كلما شعر الفلسطينيون بالألم منحتهم الجزائر شرياناً من الحياة وجرعات عميقة من الأمل لتكملة المشوار، مستذكرين وإياهم سوياً ما يزيد عن المليون شهيد، وإرادة الثوار والمجاهدين واستبسالهم في الدفاع عن حقوقهم حتى نالوا الاستقلال ورسموا معالم الانتصار لعملية نضال استمرت 132 سنة، بقوّة وإرادة وعزيمة وثورة لم يشهد التاريخ مثيلها على صعيد الانتماء والاستعداد للشهادة من أجل الوطن والقيم والمبادئ التي رسموها وحملتها الأجيال دون تعب أو تراجع.
نستذكر سويّاً دعم الجزائر للشعب الفلسطيني ومعتقليه، ويستوقفنا شعار “ نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة “ والذى أطلقه الراحل هواري بومدين، وظلّت على عهده الدولة كواقع لم يتغير ولم يتبدل ولم يغيّب عن أرض الواقع، ومقولة “استقلال الجزائر لازال منقوصا مادام لم يكتمل باستقلال الفلسطينيين”، ونستذكر في تجسيد العلاقة غير المسبوقة بين دولتين كلمة الشهيد أبو عمار للجزائر “ الجزائر لا تحتاج لكتابة التاريخ فالتاريخ هو الذي كتبها من أحرف من ذهب نقشت في جميع الشعوب المحتلة.”
وفى المقام الثاني أشيد بدور وزارة الخارجية الفلسطينية، والسفارة الفلسطينية في الجزائر التي عيّنت ملحقاً خاصاً بالأسرى الفلسطينيين ممثلة بسفير الأسرى وأحد أبطال الهروب الكبير من سجن غزّة الأستاذ الأسير المحرّر خالد صالح (عز الدين)، المكلف بملف الأسرى في سفارة دولة فلسطين بالجزائر الشقيقة، والذى استطاع من خلال انتمائه وتجربته الاعتقالية أن يدوّل ملف الأسرى وأن يستحضره في الإعلام الجزائري بتجربة إبداعية لم يسبق لها مثيل في باقي السفارات الفلسطينية المشكورة على جهودها أيضاً بدعم قضية الأسرى أينما تواجدت.
وأعتقد من المهم تعميم تجربة السفارة الفلسطينية في الجزائر على باقي السفارات والممثليات الفلسطينية المنتشرة عبر العالم، كي تبدأ بعقد اتفاقات وتأمين صيغ تعاون مع وسائل الإعلام في الدول المختلفة، كي يأخذ الخبر الفلسطيني وقضية الأسرى الفلسطينيين حقّها شرحاً وتحليلاً، حتى ينتج فعلاً شعبياً ورسمياً داعماً لفلسطين في كافة المجالات، الأمر الذى لا يتطلب سوى تواصل وخطط عمل لاستثمار التعاطف وصولاً إلى مخرجات إعلامية تضيف للحضور الفلسطيني في الضمير العالمي، وهذا ما حدث في الجزائر وما يمكن أن يبنى عليه في مناطق أخرى.
وأعتقد أنّ هذا الأمر يشكّل نجاحاً لقضية الأسرى ولوزارة الخارجية وللدبلوماسية الفلسطينية في إبراز قضايانا الوطنية، وأعتقد أنّ هذا النجاح مؤشّراً قويّاً على قدرة وزارة الخارجية على تدويل قضية الأسرى والتعريف بها ومساندتها وكشف انتهاكات الاحتلال بحقّهم في حال توفير الشروط الذاتية والموضوعية، الأمر الذى يجعلنا نناشد معالى وزير الخارجية الفلسطيني لتعيين سفراء غير مقيمين من الأسرى المحرّرين من ذوى الإمكانات والكفاءات العالية والخبرات المبدعة للعمل في السلك الدبلوماسي الفلسطيني كملاحق في السفارات الفلسطينية أينما تواجدت لأهميتها.
ولا يفوتنا في هذا المقام أن نقدّم شكرنا وامتناننا لرؤساء تحرير الجرائد والصحف الجزائرية والتي بدأت بملحق “ صوت الأسير “ بتاريخ 01/01/2011 كمبادرة من جريدة الشعب الجزائرية وتوسّعت لتصل لجريدة الشروق، والوسيط المغاربى، والقائد نيوز، وجريدة الوسط، وجريدة الإخبارية، وجريدة الجديد اليومى، وجريدة المغرب الأوسط، وجريدة التحرير، وجريدة السلام، وجريدة المواطن، وجريدة الحوار وبركة نيوز، التي أصدرت الملاحق الخاصة بالأسرى الفلسطينيين، والتي حظيت قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين باستجابة واسعة وغير مسبوقة من كافة وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية والحزبية والاهتمام الشعبي والجماهيري والتي تتبنّى نشر قصص الأسرى وحكاياتهم وإبراز بطولاتهم ومعاناتهم لكسر العزلة التي تفرضها دولة الاحتلال وتعزيز دائرة الدعم والمؤازرة لقضيتهم، كما ونشكر أحبائنا النشطاء والحقوقيين والأكاديميين والكتاب والسياسيين والمثقفين والإعلاميين الجزائريين على جهودهم في دعم نضالنا ونصرة أسرانا، عبر تلك الملاحق التي تنتشر في أوساط ذوي الأسرى ومراكز الدراسات والبحوث العربية المتخصّصة في قضايا حقوق الإنسان والمؤسّسات الإنسانية الفلسطينية والعربية والدولية والتي لفتت أنظار غير الجزائريين بهذا الاهتمام المنقطع النظير.