كان الاعتقاد أن تكون حركة حماس "ومحورها المحلي فلسطينيا"، أول المدركين لحقيقة "الحدث العسكري المشع ضوءا والفقير فعلا" بين حزب الله ودولة الكيان، بأن مسار المعركة الحقيقية تدور في فلسطين، ولا غيرها، وما يحدث حولها لا صلة له بأصل الصراع في المنطقة، لكن البعض يبحث كيفية الاستخدام لتعزيز مصالحه الاستراتيجية عبر القضية "العاطفية" فلسطين.
ولكن حماس ومحورها المحلي، تجاهلوا أو تعاموا أو تغابوا عن إدراك الجوهري فيما حدث، فلعل تصريحات رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية تشارلز براون، بكشفه حقيقة "الحدث العسكري الاستعراضي" تعيد صوابا ضل، فبعدما أنهى إشرافه المباشر عليه، قال في طريق عودته إلى مقره في واشنطن، " إن المخاطر على المدى القريب لاتساع رقعة الحرب في الشرق الأوسط انحسرت إلى حد ما، بعد تبادل إسرائيل وحزب الله في لبنان إطلاق النار دون حدوث مزيد من التصعيد".
مضمون الكلام مع توقيت رحلة براون الزمنية، لا يمكن لها أن تمر مرورا عابرا، ولن يكون هناك وضوح أدق مما قاله بأن "الحدث العسكري" انتهى، دون أن يترك أثرا جوهريا، ما يجب أن يدفع "تحالف حماس" الذي بنى "قصور أوهام" ما اسموه "محور المقاومة" إلى التفكير المتجددة لصياغة ما سيكون وفقا لحقيقة ما كان، وأن التقديرات بكسر المعادلة التي تحكمت في المسار الإيراني وأدواته، لم تصل إلى "نقطة الغليان" الموهومة، ولن تصل من أجل فلسطين.
بالتوازي مع انتهاء "الحدث العسكري" بين الكيان وحزب الله اللبناني، انتهت جولة التفاوض غير المباشر بين حماس نيابة عن تحالفها ودولة الكيان، برعاية ثلاثية مصرية قطرية أمريكية، انتهت أيضا كما كان معلوما، ولا جديد يمكن إضافته كي يساعد تحالف حماس الخروج بتقديمه "مكسبا سياسيا" في ظل حرب الإبادة الشاملة، وأكدت إن الجوهري المراد، موافقة رسمية من التحالف الحمساوي على ترتيبات "إعادة الاحتلال" لقطاع غزة بطرق "إنسانية"، وفتح الطريق لخلق "إدارة محلية" تدير شؤونه إلى حين الاتفاق العام على ترتيبات حل لا يمس جوهر المشروع التهويدي في الضفة والقدس.
لا يمكن لتحالف حماس في مفاوضات "التهدئة والتبادل"، أن يتجاهل توقيت تصريحات الوزير الإرهابي المستوطن بن غفير حول بناء كنيس يهودي في ساحة المسجد الأقصى، مع فتح تنظيم رحلات سياحية يهودية إلى ساحة البراق والجدار، تعزيزا للرواية التهويدية، وبالقطع غبي من يراها تصريحات لمتطرف أو حزبية بل هي من صلب مشروع نتنياهو الفكري – السياسي، ربما التحفظ على التوقيت وليس على ما بها، تصريحات تؤكد، أن الحدث الغزي جاء لفتح الباب أمام قاطرة التهويد العام في القدس والضفة، وليس رد فعل على فعل كما هو سائد منذ 7 أكتوبر.
أمريكا التي تصر بقاء حركة الكلام التفاوضي ورسم صفقة تهدئة خاصة، لكنها تجاهلت كليا تصريحات الإرهابي بن غفير حول بناء كنيس في ساحة البراق والمسجد الأقصى، وما أعلنه وزير "تراث حكومة نتنياهو" حول تنظيم الرحلات السياحية لهما، لا تحتاج شرحا وترجمة كونها أوضح رسالة تهويديه لما حذر منه الخالد المؤسس ياسر عرفات منذ عام 1986، وفجر مفاوضات كمب ديفيد 2000 بعدما حاول الرئيس الأمريكي ورئيس حكومة العدو باراك وضع "حجر تهويدي" تحت ساحة البراق.
دون الاهتمام بموقف أمريكا الراعي الرسمي للحرب العدوانية التي تنفذها دولة الفاشية اليهودية على فلسطين، وإبادة خاصة في قطاع غزة، فما يجب هو أن تقف حماس وتحالفها أمام السؤال، ما هو اليوم التالي لو حدثت "صفقة التهدئة" في قطاع غزة، هل ستكون أقرب الى المشروع الوطني، أم أنها أضافت عائقا جديدا أمامه، ما يترجم سياسيا خدمة مضافة لمشروع العدو الاحتلالي.
التفكير في اليوم التالي لصفقة تهدئة بالتزامن مع غياب موقف أمريكي حقيقي من تهويد الضفة والقدس وساحة البراق وأقصاها، ليس سوى "شراكة موضوعية" مع هذا المخطط المكشوف جدا، بل والذي لم يبق غموضا يربك تحديد الموقف المفترض أن يكون.
وكي لا تستغل "حرب الإبادة الإنسانية" في قطاع غزة لفرض "حرب إبادة سياسية" للمشروع الوطني، يجب أن تتوقف حماس عن التفاوض نيابة عن جزء من فلسطين، وأن تبحث طريقة للتفاوض الوطني العام، خاصة ووجودها غير مباشر، كرسالة رد سياسي وطني على ما يحدث في القدس والضفة.
انتقال حماس وتحالفها من الانجرار الى مسار "التكتيك الأمريكي الإسرائيلي" بحسر المسألة في البعد الإنساني إلى مسار ربط التهدئة بالتهويد يعيد الاعتبار لشمولية الربط في القضية الوطنية، دون ذلك كل منجز محلي هو حجر أساس في بناء كيان التهويد الخاص في الضفة والقدس والبراق.