منذ نوفمبر 2023، المبادرة الأولى لعملية وقف مؤقت لوقف إطلاق نار مؤقت والقيام بعملية تبادل أسرى في غزة، وحكومة نتنياهو بتركيتها الفاشية سهلت كثيرا على حركة حماس، المناورة السياسية في التعامل مع مبادرات متلاحقة لعقد صفقة جديدة، برفضها أو بوضع شروط لا تقدم ولا تؤخر في أي من زوايا المشهد المنتظر، من قبل أطراف التحريك "التفاوضي"، خاصة الولايات المتحدة.
ومع كل المناورات التي قادها وزير الخارجية الأمريكية "اليهودي" بلينكن لرمي ثقل التعطيل "التفاوضي" على كتف حركة حماس، رغم قيام دولة العدو الاحلالي باغتيال رئيسها في طهران، لكن تلك لم تنتج سوى افتضاح أكثر لدور واشنطن في تغطية موقف حكومة تل أبيب.
وبعد 23 أغسطس 2024، انتقلت المناورة الأمريكية إلى مشهد جديد تحت ستار "التقدم" في موقف حكومة نتنياهو بعدم طلبت إدارة بايدن بالتحرك نحو "إعادة انتشار جيش الاحتلال" على طول محور صلاح الدين (فيلادلفيا) والانسحاب إلى الوراء قليلا (حوالي 2كم)، لتبدو أن هناك "زحزحة إيجابية" مع تعديل نسبي فيما يعرف بمعايير الرهائن والأسرى.
ودون التوقف كثيرا عند كل ما يقال "جديدا" في معايير صفقة التبادل أو وقف إطلاق النار المؤقت، فهي جوهريا خروجا صريحا على قرار مجلس الأمن رقم 2735، والذي أساسه مقترح الرئيس الأمريكي، وكل ما يتم تداوله هو الاقتراب الكبير من موقف حكومة نتنياهو، وليس العكس كما تحاول الدعاية الأمريكية ترويجا.
المناورة الأمريكية الجديدة حول صفقة التبادل والتهدئة"، ستعيد عملية تدوير تحميل المسؤولية بطريقة مستحدثة، خاصة بعدما رفض نتنياهو قبل أيام فقط أي فكرة انسحاب من محور صلاح الدين، أو تغيير معايير صفقة الرهائن، يأت المقترح المستحدث، كمخرج لحكومة دولة الاحتلال، بما سمحت لها باحتلال غالبية المحور، والسيطرة على حركة النازحين شمال قطاع غزة وجنوبه، وتغييب أي رؤية حول المنطقة العازلة والمدة الزمنية للانسحاب من قطاع غزة، والجهة الإدارية لمعبر رفح.
منطق المقترح الأمريكي الأخير، يبدو وكأنه محاولة لمحاصرة حركة حماس، التي تمسكت بضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن 2735، بعناصره كاملة، ولها الحق السياسي في ذلك، موقفها يصطدم مع التغيير المطلوب، ولا يوجد سرا بأن الأمر بات واضحا، لدفعها نحو زاوية محددة، لا تملك كثيرا من "أوراق المناورة" السياسية.
قبول حماس بالمقترح الأمريكي المتراجع جوهريا عن قرار مجلس الأمن، ولا يحمل أي ميزة يمكنها أن تعيد انتاجها لمحورها وتحالفها، بل ولقاعدتها الحزبية، إلى جانب الرأي العام الفلسطيني، وستبدو في حال الموافقة وكأنها حركة تبحث "إنقاذ ذاتها" في ظل الضربات الأخيرة التي نالت من بعض قيادتها العسكرية والسياسية، ما سيضعها في موقع اتهامي بتجاور "السذاجة السياسية"، أو "قصر نظر في رؤية التعامل المطلوب في الوقت المطلوب".
فيما ذهاب حماس لرفض "المناورة الأمريكية المستحدثة" حول صفقة التبادل والتهدئة، سينقلها إلى خانة "الصدام" مع غالبية مطلقة من أهل قطاع غزة، بعيدا عن كل "جعجعة إعلامية"، فهم وتحت كل ظرف يبحثون وقفا لأي زمن كان من الموت والإبادة، يبحثون أن يتعرفوا على "بقايا" ما كان يوما حياة شبه إنسانية في الزمن الانقلابي ما قبل 7 أكتوبر 2023، يبحثون راحة لأي زمن ممكن من "إبادة" لملامح وجود، ولا يمكن لأي كان أن يقف حجرة عثرة أمام رغبة دافعي الدم وحدهم في حرب عدوانية لا يوجد لها "أفق لحل وطني".
قد تكون تلك هي المعادلة الأصعب في تاريخ وجود حماس، منذ انطلاقتها كـ "بديل مواز" لمنظمة التحرير، ولن يساعدها أبدا شعارات اللغة أو عناصرها التركيبية، فالإبادة التي لا تتوقف ضد قطاع غزة، بكل ما به وعليه، لا تحمل "ترف الرفض" أي كان شروطه، مع ملامح لا تشير أبدا لتغيير معادلته، في ظل واقع إقليمي محيط، بكل مكوناته، بما فيه "بعبعة بلاد فارس".
رفض حماس سيكون وبالا عليها في علاقتها مع دافعي الثمن المباشر في قطاع غزة، وليس فرق متابعة "الإبادة الجماعية" تعويضا عن "عقدة نقص ما"، أو تمنيات أكثر لكسر محور الكيانية المنتظرة فلسطينيا، وبالتأكيد قبولها ستضعها أمام ما يتجاور تعبير النقد، إلى حد قد يطال البعد الاتهامي.
نعم وباختصار حركة حماس أمام ورطة فريدة، قبولها المناورة الأمريكية تضعها أمام خسارة استراتيجية لما كان.. ورفضها خسارة علاقتها مع من تدعي أنها تمثلهم في قطاع غزة...معادلة نادرة أن تكون الخسارة حتمية وتقترب من درجة الاستسلام العام.
هل هناك خيارات ممكنة لمنع "صفقة الاستسلام المبطن".. موضوعيا لا يوجد سوى أن تعلن حماس رسميا تخليها الكامل عن ملف "التفاوض"، وتطالب مصر وقطر والأردن الاتفاق مع الرسمية الفلسطينية على "خيار بديل" ممكن، مع طلبها دخول وفد بقيادة مصر لاستلام كل الرهائن من دولة الكيان ونقلهم إلى القاهرة، وهناك تبدأ عملية جديدة.. خيار قد يفتح لها باب "إنقاذي مؤقت"، مع تأجيل المحاسبة الوطنية.