بعد اغتيال رئيس حركة حماس إسماعيل هنية في مقر للحرس الثوري في طهران يوم 31 يوليو 2024، ذهب محور بلاد فارس إلى تصعيد لغته العسكري إلى الحد الأعلى، من رأس مرجعيته خامنئي إلى آخر ناطق باسم فصيل فلسطيني معهم، بل ذهب معهم غالبية شعبية واسعة ممن يبحثون فعلا، أي كان ومن أي كان ومهما كان لتوجيه ضربة "مزلزلة" لدولة الفاشية اليهودية، علها تكون "انتقاما" لمن سقط ضحية في معركة عدوانية استخدمت "حدثا" حمل كل ضرر تاريخي للقضية الوطنية في فلسطين.
كان واضحا، لمن لا يبحث "تضليلا"، أن بلاد فارس لا يمكنها أبدا التضحية بمكتسباتها "الطائفية الواسعة"، التي حققتها عبر "تفاهمات خاصة" مع الولايات المتحدة، بدأت في العراق بتحالف غير معلن لغزوه والتخلص من نظامه بقيادة صدام حسين، وفرض نظام طائفي على الطريقة اللبنانية، وتعززيها عبر تحالف ميشال عون مع "الثنائي الشيعي" في لبنان، وفي كلا البلدين من دفع الثمن حضور السنة الذي كان قويا ومركزيا، فبات "ثانويا"، إلى جانب نصرة الحوثيين في اليمن الشمالي بعد التخلص من علي عبد الله صالح رغم تحالفهم معه قبل الغدر به.
وكي لا تذهب رياح "ترتيبات إقليمية" تخدم الاستراتيجية الأمريكية ذات البعد الاستعماري – الاستعبادي، كان لابد من البحث عن طرق يمكنها أن تكون جوائز ترضية تقدمها لحفظ ماء وجه دولة الفرس بعدما نال نتنياهو وجهازه الأمني منها، وطعنها في القلب، ما يضعها في مكانة دونية أمام يد الفاشية اليهودية الطولى، فكان البحث عن "بدائل" لا تكسر "قلب الفرس" فيما سيكون لليوم التالي لحرب قطاع غزة.
مبدئيا، تجاوبت أمريكا مع "تهديدات" بلاد فارس بحركة "تهويش عسكرية واسعة"، ونشرت من القوات المتعددة ما يبدو وكأن الحرب قادمة، بل وطلبت من دول "حليفة" مشاركتها، ستخدم موضوعيا تعزيز حضورها العسكري لغايات أخرى ذات بعد إقليمي، بينما فتحت ورشة اتصالات سياسية هي الأوسع منذ كارثة 7 أكتوبر 2023.
الرشوة السياسية التي قدمتها الولايات المتحدة لبلاد فارس، تكثفت في منحها "دورا"، بدأ وكأنه مركزيا في مباحثات اتفاق التهدئة للحرب على قطاع غزة، خاصة مع حركة الاتصالات المتشعبة لم يسبق لها مثيل خلال الـ 317 يوما منذ انطلاقة الحرب العدوانية، بدأت عملية ربط "الرد الانتقامي الفارسي" وأدواته، بالتقدم في مباحثات التهدئة، فبات القضية المركزية كيفية الحديث عن "تقدم ما" و "تفاؤل كبير".
ولأول مرة منذ بدء تفاوض حول صفقات التبادل نوفمبر 2023، بين حركة حماس وحكومة نتنياهو عبر مصر، قطر والأمريكان، باتت طهران طرفا "مركزيا" في التأثير على مفاوضات "الصفقة" في العاصمة القطرية الدوحة، فمع نهاية الجولة الجديدة، أشاعت واشنطن أجواء من "التفاؤل" لا تستقيم وما نشر من معلومات تم تسريبها عبر الإعلام العبري، وسارع رئيس وزراء قطر وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن الاتصال بالوزير الفارسي ووضعه في ملف الجولة بشكل تفصيلي، أتبعه اتصال هاتفي من وزير الخارجية المصرية مع الوزير الفارسي لذات الهدف التفاوضي.
لعل أبزر ما كان في جولة الدوحة، ليس ما يقال عن" تجسير الفجوات" في مسودة مشروع جديد يفترق عن قرار مجلس الأمن بشكل مهم، بل أن بلاد فارس أصبحت مرجعية تفاوضية لها الكلمة الفصل فيما سيأتي من استكمال المباحثات في القاهرة، وكأنها مقرر عام عن حركة حماس وتحالفها.
الاتصال الفوري مع بلاد فارس، بعد نهاية جولة الدوحة التفاوضية مع "التفاؤل الغريب" حول نتائجها، هو الخبر الأهم كونه الرشوة السياسية التي تنتظرها طهران خروجا من "مأزق" عدم الرد على اغتيال هنية، بما مثله إهانة سياسية لها ويهز مكانتها، ما سيربك جوهر المشروع الأمريكي لإعادة انتاج المشروع الطائفي في المنطقة، تحديثا لمشروع أوباما "السني" عام 2011.
لا يجب تجاهل قيمة الاتصال مع بلاد فارس فيما تم تجاهل الرسمية الفلسطينية، رغم أنها تتأثر بكل ما سيكون من نتائج، خاصة وأن الاتفاق يكرس "عملية انتقالية" دون مرجعية سياسية، بل ويمنح دولة الفاشية قوة ضغط في الضفة والقدس.
الدرس الأبرز من مباحثات الدوحة، وما يستحق القراءة السياسية هو أن بلاد فارس ستكون حاضرة في ترتيبات اليوم التالي لحرب غزة، بتوافق مع الولايات المتحدة
وتحالفها الاستعماري.
بعد كشف المحاولة الأمريكية، هل أدركت قيادة حماس خطيئتها بعدم نقل ملف التفاوض للرسمية الفلسطينية، أم ستتعامى إلى أن تصل إلى "أم الخطايا الوطنية".. لا وقت لترف الانتظار فما سيكون دونه نهاية رحلة لا ينفع معها الندم السياسي.