لم يكن من المصادفة أن يضع بنيامين نتنياهو شروطه الخمسة الجديدة في محاولة إحياء الصفقة، نفس الصفقة التي سخر خلال الأشهر الماضية كل إمكانياته لإفشالها مواجهاً أعتى الضغوط الخارجية والداخلية، سواء من الإدارة الأميركية ورئيسها الذي يجتهد عاجزا منذ آذار الماضي عندما أصر على هدنة في رمضان، أو حجم الاحتجاجات الشعبية وضغط أهالي الأسرى والمعارضة وقادة الأمن والجيش والوفد المفاوض نفسه إلى الحد الذي جعل يوآف غالانت وزير الدفاع يعترف بأن إسرائيل هي المعطل للصفقة.
الشروط الجديدة هي رفض إسرائيلي معلن وبلا مناورات باتت مكشوفة، وقد توصل كل من تدخل في هذا الملف إلى تلك النتيجة مبكراً وأولهم الإدارة الأميركية التي تلاعب بها رئيس حكومة إسرائيل وبل وغطت كل تلك الألاعيب ولم تجرؤ على توجيه أي ملاحظة نقدية أو تمارس ضغطاً حقيقياً لإنجاح تلك الوساطة التي أصبحت مزمنة.
لم يكن نتنياهو والمنظومة الأمنية يعبثون حين قرروا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس في طهران بعد عودة نتنياهو قويا من الولايات المتحدة مرفوعاً على التصفيق الحار لأعضاء الكونغرس. فقد كانت تلك ضربة متعددة الأبعاد ولم يتوقعها أحد كان من نتيجتها المعدة سلفاً أن تستدعي رد فعل إيرانيا يستدعي بعده فعلا إسرائيليا ثم إيرانيا ومن ثم تدخل الولايات المتحدة بأساطيلها، فقد حركت أربع حاملات طائرات وغواصة ناهيك عن القواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة لضرب إيران.
من تابع سيرة بنيامين نتنياهو يدرك أن ما أطلقه عليه الصحافيون في إسرائيل دقيق بأن "الملف الإيراني هو ملف حياته"، هذا لقب قديم حاز عليه منذ حوالى عقد ونصف العقد حيث يعتبر إيران العدو الأول الذي كما كان يردد "العدو الذي سيدمر الهيكل" حتى أنه ذهب ذات مرة للأمم المتحدة يشرح كالمدرس برسومات مساعدة عن خطر إيران على إسرائيل والعالم، وكيف اصطدم بالترويكا الأمنية في إسرائيل وحتى التي تسلمت بعدها حيث اعترضت على ضرب إيران لأن ليس لدى إسرائيل ما يكفي من القوة لإنجاز المهمة وأن القوة الأميركية وحدها يمكن أن تنجز بنجاح ولكن الولايات المتحدة لم تسايره بل طلب منه أوباما ترك هذا الملف والاهتمام بالأزمة مع الفلسطينيين.
حاول نتنياهو تشكيل تحالف دولي لفرض حصار على إيران لكن نتنياهو أراد الحرب وتحطيم إيران بضربة واحدة، فالحصار بنظره لم يكن كافيا وظل يحرض متربصا اللحظة التي ستتوفر وإن لم تتوفر فهو يصنعها ويبدو أنها توفرت هكذا يعتبر، لذا ليس من السهل أن يقدم تنازلات لوقف إطلاق النار بغزة تجهض مشروعه الأكبر الذي توفرت أو وفر له كل شروط الحرب، وهو يدرك أن الضربة شديدة على إيران من الصعب عليها ابتلاع الاغتيال.
في إحدى مكالماته مع الرئيس الروسي بوتين بداية الحرب وصفه الروس بانه كان كالثور الهائج كما يُنقل عن الأدميرال الروسي ايغور كاساتونوف أن نتنياهو يريدها حربا مفتوحة لأنه يعتبر نفسه خليفة الملك داوود ويتحرش بإيران عمداً لأنه يبحث عن ذريعة لتوريط الولايات المتحدة من أجل تدمير البرنامج النووي الإيراني. وقد قال نتنياهو للرئيس بوتين: "ما تعرضنا له مؤخراً يقصد هجوم السابع من أكتوبر دمر إسرائيل التي أنشاها بن غوريون وأنا سأعيد بناءها وهذا لا يمكن أن يحصل إلا من خلال تدمير إيران ومحورها ولدينا الآن فرصة غير مسبوقة وإذا لم أغتنم هذه الفرصة سيلعنني التاريخ وسيبصق في وجهي كل اليهود" وهذا منطق لمن يعرف بنيامين نتنياهو.
اجتمع نتنياهو مع رئيس هيئة الطاقة الذرية الجنرال موشيه أدرى وطلب منه وضع خيارات استخدام السلاح غير التقليدي فالحرب الإقليمية التي يخطط لها نتنياهو ستذهب حتى النهاية مستغلاً مناخات إقليمية قام بهندستها باحتراف شديد، تدرك إيران عمق المأزق فالخياران أمامها بالرد أو بعدم الرد أحلاهما مر، والولايات المتحدة جاءت بكل حاملات الطائرات بهدف الردع وليس بهدف إشعال حرب كبرى. لكن الذئب تمكن من نصب الفخ للجميع ولسوء حظ الجميع في هذا الاستعصاء المعد بعناية أن نزع الفتيل لا يملك صلاحياته إلا بنيامين نتنياهو بالموافقة على صفقة تبادل ووقف الحرب على غزة.
فكيف لمن هندس بدهاء لكل هذا أن يقوم هو نفسه بإجهاض خططه ومخططاته؟ فالحل لدى صانع الأزمة مع سبق الإصرار والترصد وقد بات على مشارف اللحظة التي انتظرها لعقود.
قد لا يفوت نتنياهو الفرصة. هذا سيناريو قوي فقد تمكن من جر القوة الضاربة وهذا ما بات يخشاه الجميع أمام إصراره فهو يعتبر نفسه واحداً من الرجال التاريخيين وأكثر رؤساء وزراء إسرائيل أهمية، وهو رجل قومي متعصب يميني أيديولوجي لم يتغير هدفه منذ عقود بتدمير إيران ويعتبر نفسه مخلص إسرائيل، بل ويزداد إصراره بعد السابع من أكتوبر الذي كاد يخرجه من التاريخ ليفكر بدخوله من جديد من البوابة الإيرانية ... ربما لكنها مغامرة خطرة فإيران وحزب الله يمتلكان أيضاً قوة لا يستهان بها ولا أحد يعرف حجم التعاون مع روسيا ولا السلاح الكيماوي الذي تملكه طهران إذا ما استخدمت إسرائيل سلاحا غير تقليدي ... نتنياهو يغامر بالمنطقة ....ويضع إسرائيل أيضاً على حافة الخطر ...!