المفاجئة الأكبر التي أقدمت عليها دولة الفاشية اليهودية ليس باغتيال القائد الكبير رئيس حركة إسماعيل هنية، فجر يوم الأربعاء 31 يوليو 2024، فتلك مسألة ضمن الحسابات لكل موقع في الحركة الوطنية الفلسطينية، فهو ليس الأول وبالقطع لن يكون الأخير، ما دامت حلقة الصراع مفتوحة، لكنها كانت باختيار المكان والزمان، في قلب طهران، وبعد ساعات فقط من المشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد بزشكيان.
أن تقوم دولة العدو بفعل جريمتها باغتيال هنية، بتلك الطريقة وذلك المكان، فهي تعلن بلا تردد، إنها لا تقيم وزنا لكل ما كان يقال ما قبل 31 يوليو 2024، تجاه تهديدات بلاد فارس ومحورها الخاص، وبأنها تعلم يقينا حدود الفعل الممكن على ما يمكن اعتباره "الحدث الأبرز" في مسار الاغتيالات خارج فلسطين، بعد وصول يد العدو إلى نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية خليل الوزير "أبو جهاد" في العاصمة التونسية يوم 16 أبريل 1988.
رسالة دولة الكيان باغتيال هنية، هي قبل كل شيء إلى الحكم الفارسي، الذي تحدث كثيرا بأنه لن يقف متفرجا فيما لو تجاوزت تل أبيب "الخط الأحمر"، أو التسمية المستخدمة "تجاوز قواعد الاشتباك" (تسمية مهينة لشعب فلسطين)، فأقدمت على توجيه واحدة من أكبر الإهانات السياسية في قلب عاصمته، وسط حالة "فرح سياسي"، وبحضور دولي عريض ومشاركة فصائل فلسطينية مرتبطة بمحورها (في غياب ممثلي دولة فلسطين وفصائل في منظمة التحرير)، لتضعه أمام لحظة فصل في الاتجاه.
دولة العدو، في رسالة اغتيال هنية، تقول بوضوح أنها لا تقيم وزنا لكل ما يقال في مهرجانات الكلام العامة، وهي لا تقف كثيرا عند "فصائل سيكون الرد نوعيا"، ولم تعد تقف كثيرا عند ما يقال بأن تل أبيب وقلب الكيان لن يكون خارج الفعل الصاروخي، وبأنها تعلن لقادة الفصائل أنه لا يوجد منهم من هو بعيد عن الاغتيال، فيما لو قررت، وكان لها ذلك في طهران.
دولة العدو، باغتيال هنية، هي من يبحث عن "حرب إقليمية شاملة"، لو كان ذلك خيارا، لكنها تدرك بأن مقومات الرد المضاد لن يكون، وفقا لمعرفتها بحقيقة "المحور الكلامي"، خاصة وهي من قامت باغتيال شخصية مركزية من حزب الله، فؤاد شكر، أهم أدوات بلاد فارس في الخارج، وفي قلب الضاحية الجنوبية مركز الحزب "الآمنة جدا" نظريا.
دولة العدو، باغتيال هنية، أكدت لبعض دول العرب بأنها قادرة على لطم بلاد فارس في الوقت التي تريد، وهي تقدم بذلك "منديل المودة التطبيعية" التي لا يجب أن تنتظر مسارا آخر، وخاصة شرطية "حل دولة فلسطين".
دولة العدو، باغتيال هنية، تعلن رسميا بأنها من يتحكم في مسار المشهد السياسي والعسكري، ولا تقيم وزنا أبدا للمحيط الإقليمي وقبله الفلسطيني، وهي تؤكد بشكل نهائي لا مجال للحديث عن "صفقة التبادل"، بل تبحث عن "صفقة استسلام سياسي وأمني" كامل، يفتح الباب واسعا لتطبيق مشروعها التهويدي العام، وأن حربها العدوانية في قطاع غزة باتت من باب هوايتها في ممارسة "الإبادة الجماعية"، وليس بحثا عن رهائن أو ما يرتبط بها، ولا تبحث نصرا تلفزيونيا كما يقول البلهاء.
بعد اغتيال هنية، بعيدا عن كل رسائل الكلام الانشائي الكبير، هل يمكن لقيادة حماس أولا، ولفصائل محور بلاد فارس ثانيا، أن تعيد جذريا طريقة فكرها السياسي وسلوكها، وتعلم بأنها ليست سوى "سلعة استخدامية" في ترتيبات مصالح استراتيجية في الإقليم، ولن تكون فلسطين يوما مقدسة لمن كان شريكا في تدمير العراق ومحتل أرض عربية ومضطهد أقلية عربية في الأحواز.
بعد اغتيال هنية، هل تكسر قيادة فتح ورئيسها محمود عباس طبقة "الكلس السياسي"، الذي أصابها إلى حد وكأنه بات مزمنا، وتأت الى القاهرة ومنها تعلن البدء العملي بتنفيذ قرارات المجالس الوطنية ولقاء العلمين الأخيرة، دون أي نقاشات.
مطلوب من الرسمية الفلسطينية ورئيسها عباس، بأن يكون الرد على جريمة الحرب الجديدة الذهاب فورا نحو "إعلان نظام سياس