في باريس، وفي القاهرة، وفي الدوحة، جرت مفاوضات عمرها تسعة أشهر وأدّت إلى لا شيء.
آخر المفاوضات تجري هذه الأيام في القاهرة والدوحة، بحضور أمريكي مباشر.
المؤشرات الأولية التي ظهرت حتى الآن، أن أمام هذه المفاوضات رحلة طويلة، بين النقاشات الأولية، ثم التفاهمات على المبادئ، ثم حصر نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف، لتجري عملية فرز ألوان ربما تستغرق وقتاً طويلاً، وسيكون عنوانها العمل على جسر الهوة بين المتفق عليه والمختلف.
الذي يجري في القاهرة والدوحة بحضور واشنطن، هو مفاوضات على الورق، أي على الصيغ التي تسمى تارة بالمبادئ وتارة أخرى بالممكن، وحين يقترب مفاوضو الورق من استحقاق التنفيذ، يظهر الدور الحقيقي لنتنياهو وعسكره الذين يفاوضون على الأرض بالنار تحت مسميات دعائية مثل الخلاص من المرحلتين الأولى والثانية ودخول المرحلة الثالثة، مع أن حربهم على غزة تمت وما تزال وفق مرحلة واحدة عنوانها ومضمونها قتل واجتياح وقصف نوعي وعشوائي وتهجير لا يتوقف من كل مكان إلى أي مكان.
حين بدأت نغمة التفاؤل تسود قليلاً بفعل مكالمة بايدن نتنياهو، حدث شيء واحد نُظر إليه بإيجابية، وهو إرسال نتنياهو لوفوده وإرسال بيرنز للمحادثات، ولكن ما الذي حدث فعلاً..
بوسعنا قراءة قائمة طويلة من المعوقات الفعلية التي أنتجها نتنياهو وعسكره، منها حصوله على القنابل الضخمة التي مُنعت عنه في السابق، وهذا تشجيع ميداني يعرف نتنياهو كيف يستفيد منه، مع تسابق بين الديموقراطيين والجمهوريين على الحفاوة به حين يزور واشنطن ليجد إضافة لأبواب الكونجرس المفتوحة دائماً أمامه أبواب البيت الأبيض هذه المرة، وبينما يجري التحضير لمفاوضات الورق في الدوحة، جرى أوسع تهجير جماعي لأهل غزة، وأعلن نتنياهو خطوطه الحمر التي ينفذها على الأرض لتفرض نفسها على مفاوضات الدوحة والقاهرة.
إنه مشهد متكرر وأحيانا بأغلفة من تفاؤل وإيجابية مصطنعة، وهي حكاية متكررة أيضاً بين مفاوضات الورق عديمة الفاعلية، ومفاوضات النار والدمار التي رآها نتنياهو الطريق الأقصر لتحقيق حلمه الواهم – الانتصار المطلق – إن مفاوضات الورق هي الوجه الآخر لمفاوضات الميدان ومهما حاول حسنوا النية والطوية أن يفصلا بينهما، فنتنياهو يقول لهم أن أي اتفاق أو تفاهم يمكن التوصل إليه سيكون بالنسبة لنا مجرد استراحة مؤقتة بعدها تُستأنف الحرب وهكذا.