- إطلاق نار من آليات الاحتلال شمال غربي مخيم النصيرات وسط قطاع غزة
في معادلة التوصل لصفقة تبادل الأسرى، هناك العديد من الأطراف الأساسية في رسم معالم تلك الصفقة، في مقدمتها نتنياهو، وهو العامل المقرر والأساسي في إتمام هذه الصفقة أو عدم إتمامها، وهو أيضاً الذي يلعب مع شركائه من الفاشية اليهودية دور الكابح لها، رغم كل المرونة التي أبدتها حماس، من أجل اتمام الصفقة. فهي لم تعد تشترط الوقف الدائم لإطلاق النار، ولا الانسحاب الشامل في المرحلة الأولى من الإتفاق، وكذلك المقاومة الفلسطينية معنية بهذا الاتفاق، استجابةً للمطالب الشعبية ولهموم الناس واحتياجاتهم، والعمل على رفع الحصار، وإعادة ترميم قوتها وقدراتها، والاستفادة من فترة الراحة والهدوء، والسعي للقيام بعملية الإعمار.
وكذلك الإدارة الأمريكية الحالية التي تريد إتمام هذه الصفقة، كي توظفها في رفع رصيد مرشحها بايدن الانتخابي، على ضوء الظهور الضعيف له في المناظرة الانتخابية مع ترامب، والتي دفعت بالعديد من قادة الحزب الديمقراطي للمطالبة باستبداله كمرشح رئاسي للحزب، وحزب الله اللبناني، الذي بات يمسك بورقة الشمال، وبمصير المستوطنين المهجرين، والذي يعتبر عودتهم رهن بوقف الحرب على قطاع غزة. ولا ننسى كذلك المؤسستين العسكرية والأمنية الإسرائيليتين اللتين تريا أن الجيش بعد تسعة شهور وصل إلى حد الاهتراء والهلاك، وعدم القدرة على خوض الحرب بالطريقة السابقة، فهناك النقص الحاد في العنصر البشري، ونقص الكفاءة والقدرات والقذائف، وتراجع المعنويات، وانخفاض الدافعية، والتمرد والاستقالات، ورفض الالتحاق بالخدمة.
من الواضح بعد الرد الذي قدمته حماس على مقترح بايدن، والذي تنازلت فيه عن مطلبها بوقف إطلاق نار دائم وانسحاب إسرائيلي شامل في المرحلة الأولى، على أن يجري التفاوض على تلك الشروط عبر استحداث مرحلة وسيطة بين المرحلتين الثانية والثالثة، بحيث لا يجري إطلاق سراح أي عسكري اسرائيلي دون الوصول إلى اتفاق يتعلق بوقف إطلاق نار دائم وانسحاب اسرائيلي شامل، وعودة النازحين إلى أماكن سكناهم، وكذلك الانسحاب من محور "نتساريم" الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، والانسحاب من محور فلادلفيا ومعبر رفح. هذا الرد من حركة حماس باسم المقاومة الفلسطينية، شكل ضغطاً إضافياً على نتنياهو، وعمّق من مأزقة، خاصة أن المؤسستين العسكرية والأمنية تقفان إلى جانب إتمام صفقة تبادل الأسرى، حتى لو كان الثمن بقاء حماس في السلطة، فالجيش لم يعد قادراً على الاستمرار في الحرب بالشكل السابق، وكذلك الاحتجاجات الشعبية التي يقوم بها أهالي الأسرى تتصاعد يوماً بعد يوم، والتهديدات بأن تمتلىء الشوارع والساحات بأكثر من مليون متظاهر، إذا لم يستغل نتنياهو هذه الفرصة ويوافق على صفقة التبادل، ناهيك عن أن المعارضة السياسية هي الأخرى تقف إلى جانب إتمام الصفقة، وتتفق مع المتظاهرين على مطالب سياسية، مثل إجراء انتخابات مبكرة عامة سادسة، وإسقاط حكومة نتنياهو. نتنياهو في مأزق عميق، ويفقد الشرعيتين السياسية والشعبية، ولكن هاجسه وخوفه من فقدان الشرعية البرلمانية، فعنق قراره السياسي بات ممسوكاً من قبل شركائه من الصهيونية القومية والدينية، بن غفير وسموترتش.
وقال بن غفير في اجتماع المجلس الأمني والسياسي "الكابينت" لنتنياهو:" نحن لسنا في المزهرية لديك، واذا ما ذهبت لصفقة تبادل الأٍسرى، وأوقفت الحرب على قطاع غزة، فيجب أن تعلم بأنك ستبقى وحدك، وسنسقط الحكومة من داخلها. إسقاط الحكومة يعني بالنسبة لنتنياهو الذهاب إلى انتخابات تبكيرية سادسة، وتشكيل لجنة تحقيق، معروف بأنها ستحمله المسؤولية عن الفشل الأمني والاستخباري في السابع من أكتوبر2023، بالإضافة إلى الهزيمة التي حصلت في تلك العملية، وكذلك التهم المنظورة ضده أمام القضاء الإسرائيلي، الرشوة، وسوء الائتمان، وخيانة الأمانة. الخلافات بين المؤسستين العسكرية والأمنية مع المؤسسة السياسية ستتصاعد، وستزداد التشققات والتصدعات والاستقالات، ورفض الالتحاق بالخدمة في المؤسسة العسكرية، ولذلك نتنياهو ملزم في ظل تلك الأزمات بالسير على حبل رفيع، لكي لا يسقط، وينتهي مستقبله السياسي والشخصي، ويقضي بقية حياته في السجن، ولذلك يبقى خياره المماطلة، والتسويف، والمراوغة، وإطالة أمد المفاوضات، وتحميل حماس المسؤولية عن عدم الوصول إلى اتفاق وصفقة تبادل أسرى. سيبقى يتابع نتائج الإنتخابات الإيرانية الرئاسية ومن فاز فيها، وكذلك المناظرة الرئاسية الأمريكية بين العجوز المتلعثم بايدن وبين ترامب الوقح، وبات على قناعة تامة بأن إطالة أمد بقائه السياسي، وإطلاق العنان لجموحه الإقليمي، سيتحقق فقط من خلال فوز ترامب في تلك الانتخابات. وبفوز ترامب يتحدد شكل المرحلة الرابعة من الحرب وخطورتها ومدى توسعها. ولذلك فإن خيار نتنياهو لكي لا يذهب للسجن بسقوط حكومته من داخلها، شن حرب شاملة على الضفة الغربية والقدس لحسم الصراع والسيادة عليهما، و"المطمطة" والمراوغة، وإطالة أمد التفاوض لحين قدوم ترامب، فهناك قضايا خلافيّة سيطول حولها التفاوض، مثل الإنسحاب الإسرائيلي من محوري صلاح الدين "فلادلفيا"، ومحور "نتساريم" الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، ومعبر رفح، وكذلك التفاوض حول أسماء وهوية وأعداد الأسرى من أصحاب الأحكام العالية والمؤبدات، الذين سيطلق سراحهم في تلك الصفقة، ومكان الإفراج ، هل سيعودون إلى أماكن سكناهم، أم سيتم إبعادهم إلى قطاع غزة، أو الخارج. هي قضايا سيطول حولها التفاوض. إن استمرار الحرب سيشكل طوق النجاة لنتنياهو.
خيار نتنياهو لكي لا يذهب للسجن بسقوط حكومته من داخلها، شن حرب شاملة على الضفة الغربية والقدس لحسم الصراع والسيادة عليهما، و"المطمطة" والمراوغة، وإطالة أمد التفاوض لحين قدوم ترامب.