الكوفية:رغم تأخر الدول الأوروبية التي اعترفت بدولة فلسطين في اتخاذ القرار، إلا أن الاعتراف بحد ذاته مهم ومفيد ويجب النظر إليه ضمن الإنجازات التراكمية التي من شأنها على قلة أهمية بعضها أن تقود إلى دفع كبير وحراك أكبر في اتجاه استعادة الحقوق الوطنية.
صحيح أننا لسنا بحاجة لاعتراف أحد بأن فلسطين لنا لأن العالم الغربي هو من تآمر وأعطى فلسطين للغرباء وأقام لهم دولة في بلادنا وحرمنا من دولتنا، ولكن أيضاً فإن جزءاً أساسياً من النضال من أجل استعادة الحقوق يكمن في الترويج لهذه الحقوق وإقناع الآخرين بها.
وهذا جزء من عملية تراكمية خاصة أن الحركة الصهيونية وجماعات الضغط التابعة لها في الدول المختلفة شوهوا التاريخ وزيفوا الحقائق حتى بات وجودنا في سرديات مختلفة غير محقق.
صحيح أن هذا لن يغير شيئاً على أرض الواقع لكنه سيعني تعزيزاً للرواية الفلسطينية وللحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
إنه هذا الجزء من نضالنا الذي علينا أن نعمل على تطويره من أجل فضح قبح الاحتلال وبشاعة ما يقوم به والتأكيد على حقوقنا السياسية والقانونية والوطنية في البلاد.
صحيح أن العالم لا يعترف بحقوقنا كاملة بل بجزء ضئيل من هذه الحقوق والمتمثل في إقامة دولة على أقل من عشرين بالمائة من أرض الآباء والأجداد، وصحيح أن هذا الاعتراف لا يشمل تصحيح الخطأ التاريخي الذي وقع وقت النكبة حين تم طردنا من بلادنا وتدمير مدننا وقرانا، وصحيح أن حجم المذابح التي تم ارتكابها بحقنا منذ ستة وسبعين عاماً حتى اللحظة بما في ذلك المذابح الجارية في غزة بالنسبة والتناسب قد يكون الأكبر في التاريخ وغير مسبوق في تاريخ أوروبا وهي تمت وتتم بسلاح في أغلبه غرب وأمام عجز المجتمع الدولي عن اتخاذ أي قرار لوقفها، ولكن مع هذا فإن أي خطوة للأمام تعني تراجع جزء من المشروع الصهيوني واستعادة ولو القليل من حقوقنا الضائعة.
المؤكد أن هذا الاعتراف ليس وليد اللحظة إذ له أبعاد تاريخية وثقافية في بعض الحالات كما أنه نتيجة تراكم تاريخي وعلاقاتي.
مثلاً إسبانيا كانت أول دولة أوروبية استقبلت ياسر عرفات في مطلع الثمانينيات وعلاقتها التاريخية مع الشعب الفلسطيني ممتدة وطويلة، كما أن مساندة الشعب الأسباني للشعب الفلسطيني قديمة رغم عدم وجود بادرات رسمية تجاه مساندة الشعب الفلسطيني من قبل الحكومات الإسبانية المتعاقبة.
وإذا أدركنا أن بعض اليساريين الفلسطينيين قاتلوا في الحرب الأهلية الإسبانية واستشهدوا هناك فإن الكفاح المشترك للشعبين في وجه الظلم قديم، كما أن أواصر العلاقة بين إسبانيا والعرب قديمة بحكم التاريخ والحضور العربي هناك.
بشكل عام قامت الثورة الفلسطينية باستثمار كل ذلك عبر عقود توجت بزيارة ياسر عرفات لمدريد وبعد ذلك استضافة العاصمة الإسبانية لمؤتمر السلام في المنطقة.
وربما ثمة تشابه في تطور علاقة النرويج بالقضية الفلسطينية مع علاقة مدريد بها في العقود الأخيرة، إذ إن ارتباط الاتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين باسم العاصمة النرويجية أوسلو والدور المهم الذي قامت به النرويج في التوصل للاتفاق المختلف عليه له دور كبير في تقريب اللحظة بالنسبة للنرويجيين. فالنرويج ليست فقط من رعت الاتفاق بل هي أيضاً أكثر دولة ساهمت في تمويل السلطة الفلسطينية وكانت دوماً تنظر لنفسها بوصفها الأقرب للسلطة من بين كل دول أوروبا الغربية خاصة في مجال رعاية مؤتمرات الداعمين للسلطة. أيضاً هذا اعتراف متأخر وكان يمكن أن يحدث أبكر من هذا الوقت بكثير لكنه حدث أخيراً. وربما التظاهرات الواسعة التي خرج بها الشعب النرويجي احتفالاً باعتراف حكومته بفلسطين تعكس دهشة التأخر تلك وفرحة الناس ليست إلا لأن مثل هذه اللحظة طال انتظارها وكان يجب أن تحدث قبل هذا بكثير.
كما يجب النظر للاعتراف الإيرلندي بأنه أكثر اعتراف أوروبي متأخر، لأن إيرلندا تحديداً من بين كل دول أوروبا الغربية كان يجب أن تعترف بفلسطين مبكراً جداً نظراً للألم المشترك وللعذاب وللخبرات المشتركة حيث إن الشعب الإيرلندي الذي يعاني حتى اللحظة من سلب جزء من جزيرته أو ما تسمى إيرلندا الشمالية بجانب قرون من الاضطهاد على يد نفس المستعمر الذي سلم بلادنا للغرباء.
وعليه فإن هذا الاعتراف المتأخر ليس أمراً طبيعياً في ظل العلاقة الوثيقة التي تربط الشعبين والقيادتين.
إن الكفاح المشترك للشعب الإيرلندي وللشعب الفلسطيني يتشابه خاصة في موضوع سرقة الأرض والاستيطان والتطهير العرقي وكل ذلك. ثمة الكثير الذي كان يجب أن يجعل هذه اللحظة أقرب.
ومع ذلك ثمة عاملان أساسيان يجب النظر إليهما حين نفكر في توالي هذه الاعترافات التي نأمل ألا تتوقف وتمتد لدول أخرى قريبة من ذلك.
العامل الأول بالطبع الجهد الدبلوماسي الكبير الذي تقوم به السلطة الفلسطينية منذ عقود من الزمن خاصة التركيز في العقد الأخير على تحقيق الدولة من خلال توقيع الاتفاقيات الدولية والانضمام للمنظمات الأممية والتركيز على العضوية في الأمم المتحدة وعلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الاعترافات بدولة فلسطين.
هذا الجهد بدأ مبكراً وآتى في بعض الأحيان ثماراً مبكرة مثلما حدث في حالة السويد وها هو الآن يجلب لفلسطين المزيد من النجاحات التي سيعمل تراكمها على خلق لحظة فلسطينية حقيقية.
العامل الآخر بالطبع هو لحظة غزة بمعنى الحرب البشعة التي يشنها الاحتلال على شعبنا في غزة.
بالطبع الحرب على شعبنا لم تتوقف منذ النكبة والمذابح لم تتوقف ولم يتوقف شيء، ولكن ما حدث أن الحرب الجارية تدور ببشاعة غير معهودة أمام ثورة إعلام غير مسبوقة.
وبنظر الكثيرين فإن تل أبيب تحتقر العالم ولا تبالي برأيه ولا تحترم شيئاً وهي تواصل القتل والتشريد.
لحظة غزة ساهمت في دفع الجهود لفضح بشاعة الاحتلال وتعزيز مقولة الفلسطينيين بأن أقل القليل الذي يمكن للعالم أن يقوم به هو أن يعترف بدولة الفلسطينيين غير المحققة بسبب الاحتلال.
هذا مع الجهود الكبيرة التي يتم القيام بها من قبل الجاليات والمؤسسات الفلسطينية المختلفة لتعزيز الرواية الفلسطينية والسردية الوطنية.