بعد ان أصدرت محكمة العدل الدولية امس قرارها الذي حقق وبشكل نسبي الحق القانوني والاخلاقي والإنساني كما والسياسي لشعبنا الفلسطيني وهو ما شكل خطوة للإمام نحو حماية شعبنا وأنصافه وعزل وعقاب اسرائيل . فان شعبنا ما زال ينتظر العدالة الكاملة بتحمل هذه المحكمة والمجتمع الدولي مسؤلياتهم لإنهاء الأحتلال كاملا بعد عقود من الظلم التاريخي والجرائم المرتبكبة بحقه ، في وقت ما زالت دولة الأحتلال وراعيها الولايات المتحدة ترفض هذا القرار والتلويح بالفيتو في حال رفع القرار للتنفيذ في مجلس الأمن الدولي وفق نظام الأمم المتحدة .
في هذه الظروف ستأتي زيارة بنيامين نتنياهو المحتملة إلى الكونغرس الأمريكي ، والتي أعلن عنها رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون، تثير العديد من التداعيات على عدة مستويات، بما في ذلك على السياسات الداخلية الأمريكية، الموقف الإسرائيلي الداخلي والعلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة من الدول العربية.
ففي غضون ساعات من إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان عن طلب استصدار أوامر اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، سارع المشرعون الأمريكيون إلى إيجاد طرق لمهاجمة المحكمة الجنائية الدولية كما سابقا محكمة العدل الدولية التي تنظر بالقضية ضد دولة الأحتلال .
فقد أعلن مايك جونسون نفسه رئيس مجلس النواب الامريكي سعيه لإصدار تشريع لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية . ومن جانبه أعرب وزير الخارجية أنتوني بلينكن، في شهادته أمام اللجنة الفرعية لمجلس الشيوخ عن استعداده للعمل مع كامل اعضاء الكونجرس على أساس ثنائية الحزبين لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية ، وهي تهديدات تهدف الى محاولات نزع الشرعية عن المحكمة الجنائية الدولية كما ومحكمة العدل الدولية وتقويض سلطاتهم في انتهاك واضح وغير أخلاقي لمبادئ العدالة والديمقراطية التي تتشدق بها أمريكيا من جهة ولفرض التهمة الجاهزة بمعاداة السامية على تلك المؤسسات كما على غيرها .
ان زيارة نتنياهو المرتقبة هذه والتي تأتي بعد زيارته السابقة الكونغرس عام ٢٠١٥ التي اثارت جدلا حينها ، وفي وقت حساس تشهد فيه حرب الإبادة والتطهير العرقي الإسرائيلية تصعيدا كبيرا وخطيرا ضد شعبنا الفلسطيني ، وخاصة بتنفيذ جرائم الحرب في غزة ومخيمات الضفة وتهديدات الأحتلال بتقويض اشكال الحياة ، مما يعزز من أهمية وفهم أبعاد وتأثيرات هذه الزيارة المحتملة والتي من المرجح تنفيذها في وقت قريب .
ورغم عدم تحديد تفاصيل وتاريخ الدعوة بعد ، الا ان أدارة بايدن تعمل اليوم على تهيئة الاجواء بتطوير المقترح الأمريكي مع “مجموعة الأتصال” من حلفائها ووكلائها في الشرق الأوسط بهدف الاتفاق حول سياسة موحدة لإدارة قطاع غزة بعد ما يسمى "باليوم التالي" بحسب ماقاله مسؤول في إدارة بايدن . وهو ما قد يعني تكرار مسألة ومآساة العراق بعد احتلالها بتعيين حاكم أمريكي في غزة "برايمر الثاني" تتفق عليه مجموعة الاتصال بعد ممارسة كل اشكال الضغط السياسي وباجراءات على الأرض بحق مقاومة شعبنا وقيادته السياسية , بهدف التكامل مع عدوان الأبادة في غزة وتقويض قضيتنا الوطنية.
يجري هذا في محاولة للالتفاف على التاريخ والمعنى والجوهر التمثيلي لمنظمة التحرير ومسار الشرعية الدولية والحقوق الوطنية لشعبنا في حقه بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة الديمقراطية ذات السيادة على قاعدة وحدة الأرض والشعب والقضية الواحدة .
ومن جهة اخرى للزيارة ، فعلى الصعيد الأمريكي الداخلي ، يُتوقع أن تُعزز زيارة نتنياهو هذه الانقسامات الحزبية الموجودة بالفعل . الجمهوريون، الذين يميلون لدعم إسرائيل بشكل غير مشروط ، سيرون في الزيارة تأكيدا لسياساتهم ويستخدمونها لتعزيز موقفهم ضد إدارة بايدن التي تواجه انتقادات من داخل الحزب الديمقراطي نفسه الذي يتعرض لانقسام افقي بشان العلاقة مع اسرائيل بين الداعمين لها في مواجهة الجناح التقدمي بالحزب الذي يدعو لاتخاذ موقف أكثر انتقادا تجاه إسرائيل وتحديد العلاقات معها . هذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة التوترات والاحتجاجات في الشارع الأمريكي، خصوصًا من قبل المجموعات المؤيدة للفلسطينيين والتي ترى في دعم الولايات المتحدة لإسرائيل تعقيدا للمساعي المطلوبة للوقف الفوري لعدوان دولة الأحتلال لتحقيق السلام ، وإلى زيادة حجم المظاهرات الشعبية بالشارع واحتجاجات الحركة الطلابية المتصاعدة بالجامعات .
كما يمكن أن يلعب خطاب نتنياهو دوراً في التاثير على الحملات الانتخابية القادمة للحزبين ، حيث قد يستخدمه السياسيون من كلا الحزبين لتعزيز مواقفهم بين الناخبين . الجمهوريون قد يستغلون الحدث لتعزيز صورتهم كمدافعين عن حليف استراتيجي وثيق ، بينما قد يستخدمه الديمقراطيون التقدميون لتسليط الضوء على الحاجة إلى سياسة خارجية أمريكية أكثر توازناً واكثر انتقاداً لإسرائيل ، الامر الذي سيؤثر على فرص السيئ بايدن لصالح الأكثر سؤأ ترامب .
أما على الساحة الحزبية السياسية الإسرائيلية ، فقد تعزز هذه الزيارة موقف نتنياهو السياسي الذي يحتاجه الان في مواجهة المعارضة الداخلية له والازمة الحزبية المتفاقمة . فالنجاح في الحصول على دعم أمريكي قوي سيُستخدم لتأكيد شرعية قيادته وتعزيز موقفه كزعيم يحافظ على علاقات قوية مع أهم حليف لإسرائيل.
من جهة أخرى، قد يؤدي هذا إلى زيادة حدة الانقسامات السياسية داخل دولة الأحتلال الأسرائيلية . حيث يمكن أن ترى المعارضة في هذه الزيارة محاولة لتحويل الانتباه عن القضايا الداخلية المثيرة للجدل، مثل التحقيقات الجارية ضد نتنياهو والإصلاحات القضائية المقترحة والخلافات القائمة بين المستويات الأمنية والسياسية اليوم وتبادل الاتهامات الجارية بينهم .
وعلى الصعيد الإقليمي، من المرجح أن تؤدي زيارة نتنياهو إلى تعميق الشكوك والتوترات بين الولايات المتحدة وحلفائها من الدول العربية . وخاصة تلك الدول العربية التي قامت بتطبيع العلاقات مع دولة الأحتلال الأسرائيلي مؤخرًا، مثل الإمارات والبحرين، قد تجد نفسها تحت ضغط داخلي من جماعات معارضة التطبيع من جهة . وإلى توتر مع بعض الدول العربية التي تعارض العدوان الإسرائيلي في غزة من جهة اخرى . لكن بالتاكيد هذه الزيارة يمكن أن تزيد من تعقيد الموقف وتثير استياء الشعوب العربية التي تدعم حقوق شعبنا الفلسطيني .
في ذات الوقت ، يمكن أن يُنظر إلى الزيارة على أنها خطوة لتعزيز التحالف الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي ضد تهديدات مشتركة في المنطقة ، وبالمقدمة منها التهديد الوجودي الى جانب التهديدات الايرانية التي لا يكفون الحديث عنها ، وإلى تجسيد التماهي العقائدي حول الرؤية الصهيونية وتنفيذ مشروع اسرائيل الكبرى . مما قد يدفع بعض الدول العربية لتعزيز تعاونها مع الولايات المتحدة وإسرائيل أو إعادة تقييم علاقاتها مع الولايات المتحدة بناءً على مصالحها الاستراتيجية واصطفافاتها الدولية .
أخيراً، اعتقد أن هذه الزيارة تهدف الى التاثير على الجهود الدولية لمساءلة إسرائيل عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الإبادة والتجويع والتهجير في فلسطين وصولا لفلتانها من العقاب وتحديدا منها القرارات المتوقعة من العدل الدولية .
حيث الموقف المشترك للولايات المتحدة وإسرائيل في رفض الشرعية القضائية الدولية المتمثل في الهجوم على المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، قد يعزز من صعوبة تحقيق المساءلة الدولية ويزيد من تعقيد الوضع الإنساني والسياسي في المنطقة.
باختصار ، زيارة نتنياهو المحتملة إلى الكونغرس الأمريكي تعكس التماهي السياسي ومنهج الفكر الأستعماري العنصري الكبير بين الولايات المتحدة وإسرائيل ، فكلا الرؤيتين تنطلق اساسا من تقاطعات الفكر السياسي الذي قام على أساس التطهير العرقي والتهجير والممارسات العنصرية لأحلال أستيطاني لجماعات مكان شعوب أصلانية اخرى بالمكانين أمريكيا وفلسطين رغم تباعدهم الجغرافي.