- حزب الله: قصفنا بدفعة صاروخية مدينة نهاريا
- طائرات الاحتلال الحربية تستهدف منزلاً في محيط بركة الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة
«مصيبتان» بالنسبة لنتنياهو وحكومته بذلا كل جهدهما للحيلولة دونهما منذ بداية الحرب بأي ثمن. الأولى عقد صفقة الأسرى وفيها ما يفكك هذه الحكومة، والثانية تقديم إجابة عن سؤال اليوم التالي للحرب. ففي الأولى ما يُنهي هذه الحرب لم تكن فيها الأزمة فقط أنها ستفض الشراكة، لكنها ستضع إسرائيل على لحظة اللا نصر التي تشكل تهديداً وجودياً على فكرة الدولة، وهو ما يتفق عليه الإجماع في إسرائيل بمن فيهم الضاغط لأجل صفقة لكن ليس لوقف الحرب.
أما في الثانية، فهناك ما يضع مشاريع السياسة على الطاولة، وفي جميعها ما يجب أن تدفع فيه إسرائيل الثمن. وإذا كانت إسرائيل قد قامت بهذه الحرب لجباية ثمن ما لدفعه، وخصوصاً أن الأميركي كان يلمح بخجل بمشاريع تتعارض مع الرؤية التي تتبلور في السنوات الأخيرة في إسرائيل التي أسدلت الستار على كل مشاريع السياسة باتجاه سياسة الانقضاض على القضية الفلسطينية وإنهائها.
إن أصعب مأزق وجدت الحكومة الإسرائيلية نفسها أمامه كان لحظةَ إعلان حركة حماس عن قبولها الصفقة في السادس من أيار بعد أن زار الوسيط الأميركي مدير المخابرات وليم بيرنز تل أبيب قبلها، واضعاً بالشراكة لمساته الأخيرة لتقديمها لـ «حماس» ليجد نتنياهو نفسه أمام خيارين: إما الصفقة وإما اجتياح رفح لفرملتها وهذا ما كان.
الاحتلال الإسرائيلي لمعبر رفح كان كفيلاً بتفجير المفاوضات وكل شيء. فلا يمكن أن توافق «حماس» على صفقة مع بقاء الإسرائيلي في المعبر، ولا الإسرائيلي سيترك المعبر لتتسلمه الحركة، وهو ما يتسبب بفضيحة للحكومة التي تسلم رمزاً سيادياً للحكم للحركة الفلسطينية، وهو ما يتعارض مع أهداف الحرب التي أعلنت الإطاحة بحكم «حماس»، وهكذا أُسدل الستار على المفاوضات.
لكن رفح والمعبر لم تكن مثل باقي مدن القطاع، فالمعبر يعني سؤال اليوم التالي، وهذا ما كان يفسر تأخير العملية في خان يونس ورفح، وقد كنتُ قد أشرت هنا في مقال سابق على هذه الصفحة في الحادي والعشرين من نيسان في مقال بعنوان «رفح تلكؤ الحرب وسؤال السياسة» بالقول «فإن في تأخير احتلال رفح إبعاداً لشبح سؤال اليوم التالي الذي تحاول إسرائيل تجنبه وهي تتحدث عن خيارات سياسية».
كانت إسرائيل تترك رفح لآخر الحرب، تلكأت طويلاً في خان يونس، فقد أخذت رفح والتهديدات حولها أشهراً طويلة لكنها لم تقترب منها إدراكاً للأزمة السياسية التي ستنشأ حين تسيطر إسرائيل على المعبر المدني الذي يحتاج إلى إدارة، ما يعني وضعها أمام خيارات السياسة. هكذا في لحظة، ما كان على نتنياهو إلا اختيار أقل «المصائب»، ما يعني أن أكبر مصائبه كانت الصفقة ووقف الحرب.
الحرب هي استمرار للسياسة، هذه حقائق الصراعات، لكن إسرائيل تحاول التحايل على التاريخ، وإذا كان لديها سياسة فهي سياسة إفناء وإبادة الخصم، وتلك حروب قبائل لا عمل سياسي و«بالمصيبة الأصغر» تجد إسرائيل نفسها قد وصلت للحائط، وعليها أن تقدم إجابات واضحة لا تحتمل الدهاء الزائد لرئيس حكومتها، والذي حين يزيد عن حده ينقلب إلى غباء تجد نفسها دولة كاملة تقبع فيه.
هذا ما يفسر الجدال الحاد الذي فرضته تطورات الميدان الذي ذهبت أبعد مما يجب، هكذا يحدث عندما يسبق السلاح السياسة فيضعها في مأزق شديد وقد حدث، فالخيارات أمام إسرائيل كلها سيئة، فإما أن تدير المعبر وهذا استدراج لتشكيل إدارة مدنية وتحمل مسؤولية غزة، الأمر الذي جعل يوآف غالانت يخرج محتجاً علانية ممثلاً للمؤسسة العسكرية التي تدرك فداحة هذا الخيار بشرياً على الجنود ومالياً بالإنفاق على غزة، وحجم الاستنزاف بهما سيؤدي بإسرائيل إلى تحقيق تنبؤات جنرال التشاؤم اسحق بريك.
أو أن تدير السلطة الفلسطينية المعبر، وتلك لها استحقاقاتها ببداية عودة السلطة وهو الخيار الأكثر ضرراً على مشروع الأمن القومي الإسرائيلي، والذي يجعل بتسلئيل سموتريتش يطالب نتنياهو بإعلان قرار عدم عودة السلطة لغزة «في هذا ما يعيد سؤالاً قديماً لماذا تم طرد السلطة من غزة، وكيف كان ذلك يقدم خدمة استراتيجية للمشروع الإسرائيلي؟ على «حماس» أن تقدم إجابة التاريخ «نتنياهو يقول «لا حماسستان ولا فتحستان». طبعاً لا حماسستان بعد السابع من أكتوبر لكن قبل ذلك كان الأمر يختلف، أي أنه ينتمي لمشروع سموتريتش وهذا متوقع، فقد كان سموتريتش بيضة قبان حكومته، وسارت السياسات وفقاً لما يرغب، لذا ليس من الصعب أن خيار غالانت لن يتم التجاوب معه، ولم يكن الهجوم على وزير الدفاع من وزراء الليكود ومنتدى الليكود عبثاً.
النقاش الحاد والتصريحات تعكس عمق المأزق، كأن السياسة تصطدم بالحائط، فلا يستطيع البقاء في المعبر ولا الخروج منه ولا إدارته ولا السماح للخيارات المطروحة ومنها «حماس» بإدارته، لتنقسم إسرائيل بحدة بين غالانت وغانتس الذي دعم موقفه الجيش وكل أبناء مدرسة الجيش، وبين اليمين الصهيوني الذي يعرف ماذا يريد لكن من الصعب الإعلان عن ذلك، فهو يجد في إعدام غزة وتهجيرها أفضل وأقل الحلول كلفةً رغم فداحتها على الفلسطينيين. لكن هذا الانقسام بين يمين إسرائيل الحاكمة وبين مؤسسة الأمن القومي يقترب من مساحات أكثر صعوبةً تزداد مع حركة الميدان، لكن نتنياهو الذي اعتاد على السير بين حبات المطر هل سيتجاوزها هذه المرة؟
لم يكن مستعجلاً على رفح، لكن تطورات الحرب كفعل سياسي أخذته إلى هناك.. هرب من السياسة، لكنه وجد نفسه أمام السياسة، تلك هي الحروب، ومن عجائبها أن أصعب لحظة على إسرائيل في الحرب كانت عندما رُفع العلم الإسرائيلي في معبر رفح.