- إعلام عبري: انفجار طائرة بدون طيار في حيفا
- إعلام عبري: سقوط مسيرة في مدينة حيفا المحتلة بعد فشل الدفاعات الجوية باعتراضها
قبل أيام، مر عيد الأم ومرت ذكريات وأوجاع كثيرة، والمرأة الفلسطينية تدفع الأثمان الباهظة سواء من جهة الفقد والحرمان أو فواتير الحرب الباهظة. وفي حين تستمر الحرب على شعبنا الفلسطيني للشهر السادس تستحق المرأة الفلسطينية هناك تحية خاصة على ما تبذله من اجل صمود وتماسك شعبنا، وعلى ما تقدمه من تضحيات جسام من أجل أن تظل الإرادة الفلسطينية صلبة لا تلين ولا تنكسر. إن الصور التي تفد من غزة وتحمل معها كل التفاصيل القاسية حول الحياة هناك تكون المرأة الفلسطينية في قلب كل ما يجري فيها، وتكون هي محور البقاء والصمود والتحدي بما تشكله من قوة إرادة. إن المرأة الفلسطينية في غزة تشكل صورة كبيرة لواقع الصمود الفلسطيني بكل آلامه وبكل قسوته مع هذا.
في آذار، مر عيد المرأة في الثامن منه ومرت ذكرى عيد الأم في الحادي والعشرين منه وظلت الأوجاع تضرب شعبنا، وظلت المرأة الفلسطينية المحتفى والمحتفل بها تكابد الآلام وتناضل من اجل الصمود ومن اجل تظل حكاية وجود شعبنا مستمرة في هذه البلاد. ففي التفاصيل المملة والقاهرة للحياة في غزة ثمة دور مركزي للمرأة في جعل الحياة غير المحتملة ممكنة رغم كل شيء، لأنها من يقع عليها عبء تحمل كل التحولات الكبيرة التي عصفت بالحياة واقتلعت البيت ونصبت مكانه خيمة رثة هشة على المرأة أن تدير الحياة فيها وتديرها ببعض الأمل والنظرة الممكنة أيضاً للمستقبل. ثمة بطولة وثمة دور لا يمكن إغفاله.
تخيلوا المشهد الذي تقوم فيه النساء بحلق شعورهن لقلة استخدام الماء، ولأن الماء المتوفر على قلته لا يمكن أن يتم استخدامه إلا لضرورات الحياة ولأن هذه الضرورات تشمل الآن البقاء على الكفاف. المرأة الفلسطينية وحدها قادرة على قهر الظروف وقادرة على الصمود وقادرة على تحدي واقعها حتى لو كان هذا على حسابها الشخصي. إن المشهد مؤلم وصعب لكنه أيضاً يخبر الكثير عن هذه القدرة التوليدية في المواقف الصعبة التي تختلق الأمل من قهر المستحيل، وتصنع المعجزات في زمن ندرت فيه حتى فضائل البشر وتلاشى سمو الطبيعة ليبقى اجتراح الإنسان للمعجزات من أجل البقاء هو أرفع ما يمكن للحياة أن تجود به.
أيضاً تخيلوا النسوة البريطانيات المتضامنات يقمن بنفس الشيء من أجل التعبير عن وقوفهن مع نساء غزة في محنتهن هذه. هناك الكثير من الآلام والأوجاع التي تحملتها المرأة الفلسطينية على مدار النضال الوطني، وكانت مشاركتها موضع تقدير وإعجاب جعل من نضالها قدوة في الكثير من السياقات الخارجية. فالمرأة المقاتلة والشاعرة والفنانة والناشطة والقائدة السياسية كانت دائماً في طليعة النضال التحرري وكانت مساهمتها كبيرة وأساسية لا يمكن تجاوزها خلال أي سردية عن مسيرة هذا النضال. وفي غزة، تواصل المرأة هذا العطاء. وربما الصور الكثيرة تصلنا من هناك يمكن الوقوف على الكثير من هذه الجوانب التي تشكل بصور متجددة مساهمة ونضال المرأة الفلسطينية في كل اللحظات.
في غزة، لم تعد الحياة ممكنة ولم يعد هناك شيء يمكن النظر منه للمستقبل، لا ثقب في الجدار ولا منظار يجلب البعيد. الحياة بكل تفاصيلها تحيل أي تفكير في المستقبل للعدم. فالمكان لم يعد ذات المكان ولا يوجد ثمة شبه بين ما كانت عليه المدينة وما آلت إليه. هناك الكثير من التحولات ولكن الأهم فيها أن المكان لم يعد موجوداً وأنه لم يعد المكان الذي يعرفه ساكنوه. في غزة، لا شيء يشبه ما كان عليه ولا شيء يتطابق مع ما كان يمكن تخليه حتى في أسوأ الكوابيس وأشد لحظات الليل حلكة. لا شيء من غزة إلا أهل غزة الذين يجعلون حكايتها ممكنة ومستمرة. في هذه القسوة، ثمة دور كبير للمرأة التي تحمل على كاهلها عبء الحياة وتحمل في روحها بذرة الاستمرار والصمود والبقاء من اجل عبور اللحظة والوصول للمستقبل الذي لم يعد ممكناً، لكنه سيظل ممكناً بفضل جهود المرأة التي صار عليها أن تفكر في كل شيء، عليها أن تجلب الحياة للأرض اليباب وعليها أن توقد النار من العدم وتطهو من اللاشيء وعليها التفكير بأن هؤلاء الأطفال لا بد أن يعيشوا حتى تظل هنا حياة في البلاد، وان الحياة في البلاد تتطلب المزيد من التعافي حتى لو كان هذا مؤلماً. في غزة التي لم تعد فيها الحياة ممكنة لا بد من وجود بطل حقيقي قادر على إعادة ترتيب الأحداث بما يجعل تلك الحياة ممكنة ومنتظرة.
كنت في طفولتي مفتوناً بقوة النسوة في المخيم ومقدرتهن على مقارعة الاحتلال. وحين بدأت الانتفاضة الأولى وكنا شباناً في مقتبل العمر كنت أنظر لدور المرأة بالكثير من الإعجاب خاصة أنهن كن في مقدمة أي تظاهرة أو هجوم على جيش الاحتلال وكن يرشقن الجيش بالحجارة، كما كن يتقاتلن مع الجيش إذا اعتقل شاب منا ويهجمن عليه بالعشرات من أجل إفلاته من بين أيدي الجنود. كما كن يجهزن كل ما يساعد الشباب على مواصلة مقارعة الجيش. كانت صورة المرأة في المخيم وهي تهرول خلف الجنود الهاربين من جبروتهن تنطبع مع الأيام في الذاكرة ولا تزول ولن تزول مهما طال الزمن. في روايتي «الحاجة كريستينا» أردت الاحتفاء بهذه البطولة وبهذا الدور للمرأة في حياتنا في المخيم. وأنا مدين للكثير من القصص الحقيقية التي عشتها وعشت معها من خلال ما شاهدت من مواقف لنسوة المخيم سجلتها في الرواية.
في غزة الآن لم تتوقف الصورة ولم تتغير، فالمرأة التي حملت أحلام شعبها وظلت وفية لحكايات بقائه تواصل هذه الحكايات وهذه الأحلام من أجل أن تظل مسيرة الشعب ويظل المستقبل ممكناً رغم كل قسوته