- طائرات الاحتلال تقصف برجاً سكنياً في محيط مستشفى كمال عدوان شمال غزة
- صفارات الإنذار تدوي في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة
- إعلام الاحتلال: الجيش الإسرائيلي يدعو سكان جنوب لبنان إلى عدم التحرك صوب القرى المخلاة
ليست جديدة «مجزرة الطحين» في دوّار النابلسي، التي وقعت يوم الخميس المنصرم جنوب مدينة غزّة، لكنها مجزرة بنكهة مختلفة.
يكذب الاحتلال مرّة أخرى، بعد عشرات المرّات، ويصدقه الأميركي، الذي يمنع صدور قرار من مجلس الأمن، بإدانة إسرائيل التي ارتكب جنودها المجزرة التي راح ضحيّتها مئة وثمانية عشر شاباً وأكثر من سبعمائة جريح.
منذ اليوم الأوّل للحرب البشعة، حتى يومنا هذا والحبل على الجرّار، لم يفعل جيش الاحتلال الفاشي، سوى مجازر جماعية بحقّ المدنيين وبحقّ كلّ أسباب الحياة، وأبسط متطلّباتها حتى أصبح بجدارة ووضوح، المسؤول عن حرب إبادة لم يسبق لها مثيل.
هي حرب إبادة جماعية، يرتكبها جيش الاحتلال عن قصدٍ وسبق إصرار، وممارستها، هدف معلن.
الاحتلال ليس الوحيد الذي يتحمّل المسؤولية عن هذه المجزرة، وكلّ المجازر التي وقعت، فالولايات المتحدة شريك رئيس مع شركاء آخرين، انضموا إلى «مجلس الحرب» الإسرائيلي منذ اليوم الأوّل ولا يزالون يقدمون السلاح والعتاد لجيش الفاشية.
عبّرت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء «مجزرة الطحين»، لكن الاحتلال لم يرتدع، وواصل يوم السبت، إطلاق النار على منتظري المساعدات.
قد يكون موقف الإدارة الأميركية، تكتيكياً هذه المرّة، بغرض ممارسة مزيد من الضغط على المقاومة، من أجل تخفيض شروطها في البحث الجاري من أجل صفقة تبادل، ولكنه لا يخرج عن سياق لا تزال تتمسك به هذه الإدارة، وهو مواصلة الشراكة مع حكومة «اليمين» المتطرّف، رغم ما يبدو من تناقض بين جو بايدن وبنيامين نتنياهو.
إيتمار بن غفير يعبّر بفجاجة عن سياسة حكومة نتنياهو، وهو يجد نفسه مضطرّاً للكذب واللفّ والدوران حول الحقائق مثلما يفعل الناطق بلسان جيش الاحتلال دانيال هغاري.
يعلن بن غفير أنّه يجب تقديم الدعم «لأبطال الجيش الإسرائيلي الذين تصدُّوا للغوغاء»، ويقصد من حصدتهم نيران الجيش من منتظري الدقيق.
الغريب في الأمر، أنّ مسؤولية إسرائيل عن ارتكاب هذه المجزرة في سياق حربها للإبادة الجماعية، لا تحتاج إلى دلائل، أو حتى اعترافات من قبل جيشها، لكن ردود الفعل الدولية وحتى العربية، لا تتجاوز التوصيف والتحذير.
تتنوّع اللغة المستخدمة في وصف الجريمة، بين أنّها أمر غير مقبول، أو أنّها ترقى إلى مستوى جريمة بحقّ القانون الإنساني، أو أنّها تثير القلق والفزع، أو أنّها حادث خطير، وتثير الاستياء، والقليل من ردود الفعل.. تتحدث بلغة الإدانة بأشدّ العبارات، دون استخدام المزيد من العبارات.
حتى المفوّض السّامي لحقوق الإنسان، لم يتضمّن تقريره تغطيةً وموقفاً لهذه الجريمة البشعة، أما الإدارة الأميركية، فقالت: «إنّ إطلاق الرهائن سيؤدّي إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار»، ولكن ليس من خلال الضغط على مرتكب الجريمة، وإنّما كرسالة للمقاومة.
أما «الجنائية الدولية» فإنّها تصمت صمت القبور.
وللتغطية على هذه المواقف المتواطئة، والعاجزة، تعلن الإدارة الأميركية، بعد أن قامت بعض الدول العربية بإنزال مساعدات جوّاً أنّها ستقوم هي الأخرى، بإسقاط مواد إغاثية من الجوّ وأنّها تبحث في فتح ممرّ بحري لإيصال المزيد من مواد الإغاثة.
بعض هذه المواد سقط في البحر، وبعضها الآخر، سقط خلف «السياج الحدودي» في اتجاه مستوطنات «غلاف غزّة»، فضلاً عن أنّ المواد الإغاثية التي أسقطتها طائرات أميركية جرى إسقاطها في منطقة مواصي خان يونس، وليس في غزّة وشمالها وهم الأشدّ حاجة إليها.
لست أدري إن كان هذا السلوك عجزاً أو تواطؤاً مع الحصار الإسرائيلي وحرب التجويع التي يكتوي منها في الأساس سكان مدينة غزّة وشمالها.
المواد الإغاثية التي سقطت من الجوّ، لا تساوي كلّها حمولة عشر شاحنات، ولا تتضمّن أدوية، فضلاً عن أنّها لا يمكن أن تضمن وصول الوقود الذي تحتاجه المستشفيات.
وهذه الطريقة في إيصال هذا الكمّ المحدود من المعونات الإغاثية تجعل من الصعب توزيعها على محتاجيها، وتترك مجالاً للفوضى، خصوصاً بعد أن اتخذت الولايات المتحدة موقفاً تبنّى الادعاءات الإسرائيلية التي تحظر على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» القيام بأيّ دور.
وحتى تسود الفوضى، تواصل قوات جيش الفاشية استهداف العدد القليل من عناصر الشرطة الذين يحاولون ضبط الأوضاع، وتحقيق الحدّ الأدنى من السيطرة الإدارية، لضمان وصول المساعدات إلى محتاجيها.
الكلّ يعرف أنّ الإدارة الأميركية قادرة، وهي الوحيدة القادرة على إرغام إسرائيل على الامتثال للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وهي القادرة، أيضاً، على إرغام إسرائيل على تسهيل وصول المواد الإغاثية بالكمية والسرعة اللازمتين، لكنّها لا تفعل لأنّها لم تغيّر موقفها رغم إطلاقها الكثير من العبارات التي يريد البعض أن يقرأها على أنّها تغيير في الموقف.
في واقع الأمر، فإنّ نتنياهو كسر أكثر من مرّة، هيبة الإدارة الأميركية حين رفض كلّ ما طلبته، بما في ذلك، الوعد الذي أطلقه بايدن من أنّ صفقة التبادل قد تقع يوم الاثنين (أي هذا اليوم).
ينبغي ألا تمرّ هذه المجزرة البشعة كما مرّت المجازر التي سبقت، ويترتّب على بايدن وغيره، أن يستوعب تشدّد المقاومة حول شروطها، بعد أن وضعت إسرائيل نفسها في موقفٍ ضعيف أمام الرأي العام العالمي، وحتى أمام جمهورها الذي لا يتوقّف عن الاحتجاج ومطالبة حكومته بالإسراع في إتمام هذه الصفقة.
يدرك الكثيرون بمن في ذلك في إسرائيل أنّ حكومة نتنياهو لا تضع الإفراج عن الرهائن في مقدّمة أولوياتها، وأنّ كلّ همّها مواصلة الحرب حتى لو كان سلوك جيشها يعمل ضدّ مصلحة إسرائيل، وأنّه يخدم فقط الأهداف الشخصية لرئيس الحكومة وعصابته المتطرّفة.
إنّ سلوك جيش الفاشية أصيل ويعبّر بوضوح عن طبيعة الدولة كمشروع استعماري بشع.